انعقد مؤتمر حزب العدالة والتنمية في لحظة مفصيلة وحساسة من تاريخ تركيا والمنطقة، وتنبثق حساسية هذه اللحظة من التحولات التي تشهدها السياسة الخارجية التركية على وقع ثورات الربيع العربي والطموحات التركية التاريخية التي تأخذ شكل التطلع إلى دولة إقليمية مركزية مؤثرة، وهي تحولات وطموحات تشكلان معا مسارا جاذبا لإيديولوجية حزب العدالة والتنمية التي تحاول تقديم تجربة متطورة في الإسلام السياسي. في وقفة سريعة مع المؤتمر الرابع للحزب والذي جاء بعد عقد من تأسيسه يمكن التوقف عند مايلي : 1- غياب المعارضة الداخلية عن المؤتمر، فحزبا الشعب الجمهوري الذي يعد الوريث التاريخي لحزب أتاتورك وكذلك حزب الحركة القومية، رفضا حضور المؤتمر لأسباب مختلفة، وهي في مجملها تتعلق برفض سياسات حزب العدالة والتنمية في الداخل والخارج. 2- باستثناء رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني فان جل الضيوف من الخارج كانوا من حركات الاخوان المسلمين، فمن الرئيس المصري محمد مرسي إلى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.. الخ، كانوا يمثلون قادة حركات الاخوان المسلمين في المنطقة، ومثل هذا الحضور غير بعيد عن الفرز السياسي الجاري في المنطقة في ظل ( ثورات الربيع العربي ) حيث تبدو هذه الحركات هي المستفيدة الأكبر منها سياسيا ولاسيما لجهة الوصول إلى السلطة. 3- اردوغان في خطابه بالمؤتمر والذي قارب ثلاث ساعات استحضر للمرة الأولى السلاجقة الأتراك بعد ان كان يقتصر في خطاباته على ذكر السلطانيين العثمانيين، وكعادته ذكر أسماء المدن التركية مرفقا بها المدن العربية والإسلامية من سراييفو إلى القدس مرورا ببغداد والقاهرة ودمشق وحلب، تعبيرا عن ذاكرته وايديولوجية الحزبية والسياسية في حين لم يذكر اردوغان أي كلمة عن الاتحاد الاوروبي والسعي إلى عضويته رغم المساعي التركية الطويلة من أجل ذلك. وفي ما سبق إشارة قوية إلى التوجهات المستقبلية لسياسة حزب العدالة والتنمية على شكل إعادة النظر في أولويات السياسة الخارجية للدولة التركية. 4- بخصوص القضية الكردية تحدث اردوغان بلهجة عاطفية مفعمة عن الأخوة التركية ndash; الكردية حتى أنها أبكت الحضور، لكن سرعان ما ذهب إلى وضع الحركة الكردية وتحديدا حزب العمال الكردستاني في خانة الإرهاب مع انه تحدث قبل المؤتمر بأيام قليلة عن استعداده للحوار مع زعيم الحزب عبد الله أوجلان المعتقل منذ 13 سنة في سجن ايميرالي، وهو ما يوحي بأن لا جديد في سياسة اردوغان تجاه الملف الكردي. 5- ان المؤتمر في طريقة اعداده وشكله الخارجي والحضور واسلوب الاخراج والكلمة الطويلة لإردوغان ثم كلمات بعض الضيوف، كانت أشبه بمؤتمرات الاحزاب الأمريكية لجهة الإبهار والإثارة. 6 - ان المؤتمر جاء على شكل تحضير للمشهد السياسي التركي في المرحلة المقبلة، ومع ان الانتخابات التي جرت أبقت معظم الوجوه القديمة في قيادة الحزب بما في ذلك انتخاب اردوغان للمرة الثالثة في رئاسة الحزب الا ان ثمة لغط بقي في الأروقة لجهة قانون الحزب الذي ينص على عدم السماح لأي عضو شغل ثلاث دورات متتالية في الترشح للمناصب، ولعل عدم تعديل هذا القانون عزز من القناعة بأن كل ما جرى كان مقدمة للعام 2014 أي التحضير لخوض سباق الانتخابات الرئاسية حيث يطمح اردوغان للوصول إلى قصر تشانقاي الرئاسي. وفي التطلع إلى الجلوس في قصر تشانقاي، سبق المؤتمر محاولة من اردوغان لمصادرة فرصة ثانية للرئيس عبدالله غل في الرئاسة، عندما طرح عن طريق اللجنة الدستورية في البرلمان تعديل القانون بحيث لا يحق لرئيس سابق الترشح للرئاسة انطلاقا من التعديلات الدستورية الأخيرة التي جرت العام 2010 ولكن المحكمة الدستورية رفضت الاقتراح، ولعل ما زاد من محنة اردوغان الاستطلاعات الأخيرة ولاسيما الاستطلاع الذي اجراها قبل أيام مركز متروبول للدراسات الاجتماعية والسياسية، إذا أشار إلى عبدالله غل سيحصل على 51 بالمئة من الأصوات فيما اردوغان سيحصل على 23 بالمئة، وهو ما أثار غضب اردوغان ودفعه إلى وصف منظمي الاستطلاع باصحاب الفتنة. انتهى مؤتمر حزب العدالة والتنمية، في ظل غياب قوى المعارضة الداخلية وحضور خارجي طغى عليه لون حركات الأخوان المسلمين في محاكاة لإيديولوجية حزب العدالة والتنمية،والأهم انه شكل مؤشرا إلى ان السياسة الخارجية لتركيا في المرحلة المقبلة ستكون بوصلتها نحو المنطقة العربية الملتهبة بـ ( ثورات الربيع العربي).