منذ ان بدأت الأزمة السورية طرح العديد من المبادرات المحلية والعربية والإقليمية لحل الأزمة سياسيا عبر التوصل إلى صيغة تحقق التغيير السياسي المطلوب وتنقذ البلاد من جحيم الحرب الداخلية وتحفظ وحدة البلاد، لكن الذي حصل بعد سنة وثمانية أشهر على بدء الأزمة هو أن جميع هذه المبادرات فشلت وبدا وكأن المطلوب هو تغليب الصراع على الحوار والحل، فالنظام يريد الحسم ولا يريد سوى معارضة تسمح له بإعادة انتاج نفسه، فيما المعارضة ولاسيما تلك تحتضنها أسطنبول لا تريد سوى إسقاط النظام والتخلص منه إلى غير رجعة وبناء سورية مختلفة في بناها الداخلية وسياستها الخارجية وتحالفاتها الإقليمية والدولية. وأمام فشل أو أخفاق هذه المبادرات، ثمة أسئلة كثيرة تطرح، لماذا فشلت هذه المبادرات؟ ولماذا لم يجد الحوار طريقه ليكون سيد الموقف ولغة للحل بدلا من الرصاص والقتل؟ ولماذا تمت عسكرة الأزمة على هذا النحو الخطر؟ ولماذا الدماء السورية باتت رخيصة إلى هذه الدرجة من الاستهتار الذي لا مثيل له في التاريخ؟ ولماذا الإصرار على صوملة أو أفغنة سورية على هذا النحو؟ والأهم ما هو المطلوب أو الهدف من كل ما يجري؟ هل هو التغيير الذي يحقق الحرية والديمقراطية والانتقال إلى مرحلة جديدة أم فقط إسقاط نظام الأسد لأسباب تتعلق بسياسته ومنظومته الإقليمية؟ .
في الواقع، من يدقق في المبادرات التي طرحت والمآل التي آلت إليها لا بد أن يقف عند مايلي :
1-ثمة إصرار أمريكي على بقاء الأزمة السورية دون حل، وإغراق السوريين في مستنقع يؤدي إلى هلاك الجميع، النظام والمعارضة معا، القوى الإقليمية المناهضة للاستراتيجية الأمريكية والأخرى التي تدور في فلك واشنطن والأطلسي، ولعل أدوات إبقاء الأزمة مشتعلة هي التي تلك الجماعات المسلحة والتي تحمل صفة الجهاد والتي ولدت معظمها من رحم الأزمة الأفغانية ومن ثم العراقية، وفي محصلة كل هذا فان واشنطن تحقق استراتيجيتها العليا على شكل حرب ذكية تطحن الجميع، سواء في التخلص من الجماعات الجهادية والمسلحة التي تشكل خطرا على مصالحها أو إسقاط الأنظمة وأضعاف وتفتيت الدول الإقليمية التي لها مشاريع مستقبلية، وحقيقة لا أحد يصدق ان واشنطن غير قادرة على حل الأزمة السورية، سواء حسما عسكري يقضي على النظام كما حصل في ليبيا، أو حلا سياسيا عبر دفع الأطراف إلى نوع من التوافق السياسي كما حصل في اليمن.

2-انطلاقا من الاستراتيجية الأمريكية السابقة، ثمة دول ارتبطت بهذه الاستراتيجية كأدوات، وهي في مجمل سياستها انخرطت في الأزمة السورية وتورطت فيها ماليا وأمنيا وعسكريا وسياسيا، وأصبح مجمل دورها معيقا للحل والحوار، وقد كان وما زال جل هم هذه الدول هو كيفية إدارة الأزمة على الأرض عسكريا، وانطلاقا من هذا الهدف عملت هذه الدول على الدوام على إعاقة المبادرات التي طرحت منعا للتوصل إلى حل سياسي يفضي إلى التغيير المنشود، وفي مقابل هذا المسار انخرط حلفاء سوريا الإقليميين ولاسيما إيران في دعم النظام السوري على شكل خوض معركة مصالحة واستراتجيته من داخل دمشق. وعلى هذه الأرضية من الصراع والتطاحن فشلت مبادرة المبعوث الدولي والعربي السابق كوفي عنان، ولعل هذا ما يدفع بالمراقبين إلى توقع الفشل لمهمة المبعوث الجديد الأخضر الإبراهيمي الذي يبدي نهجا خاصا في استخلاص أدواته ونهجه وأفكاره بحثا عن خطة لحل الأزمة سياسيا.

3 ndash; ان النظام في سوريا والذي أهمل الداخل منذ أكثر من أربعة عقود لصالح إدارة الملفات الإقليمية والدولية، يجد نفسه في أزمة لجهة الحوار مع الجماعات التي تنادي بالتغيير في المفاهيم والبنى السياسية و وضع آليات جديدة لإدارة البلاد، كما ان الجماعات التي ارتبطت بالخارج ولها أجندة إيديولوجية محددة ولاسيما حركة الأخوان المسلمين لا تقبل بالأخر أي الحوار مع النظام ومكوناته، وعليه ترفض الحوار معه وتصر على إلغاءه لحسابات تتعلق بالحكم وطبيعته وللسياسة الإقليمية والدولية المطلوب انتهجاها في المستقبل. هذه الأسباب والعوامل مجتمعة، شكلت البيئة الحقيقية لفشل المبادرات التي طرحت وباتت ترخي بثقلها على مهمة الإبراهيمي، والأهم وضعت سورية الدولة والمجتمع والإنسان أمام أخطر مرحلة، تكاد معها روح السوريين تفيض، على شكل أزمة اخلاقية وفضيحة اخلاقية تعبر عن عجز السياسة أمام كمية الدم المراق والارواح التي تزعق والبنى التى تدمر. العجز على هذا النحو، فضح الجميع، ولعل هذا ما دفع بالدول الإقليمية إلى التحرك مؤخرا على شكل طرح مبادرات إقليمية، فجاءت المبادرة العراقية ومن ثم الإيرانية وأخيرا المصرية التي قامت على تشكيل لجنة اتصال رباعية تضم إلى جانب مصر كل من السعودية وتركيا وإيران والتي فهم من اجتماعها الأول في القاهرة (غابت السعودية عن الاجتماع) وجود خلافات عميقة خاصة في ظل القناعة الدفينة لدى البعض بأن إيران طرف في الأزمة وليس الحل. في الواقع، رغم هذا المعطى الإقليمي المهم خاصة إذا نجح في بلورة خطوات للحل السياسي تزامنا مع إنشغال الإبراهيمي بخطته السياسية، بما يعني مساعدته على الحل، الا انه يبنغي النظر الا أن هذا المعطى يبقى دون فعالية حقيقية ما لم يتم تبنيه دوليا، ولعل هذا ما دفع بالمجتمعين في القاهرة إلى التأكيد على ضرورة انتظار اجتماع نيويورك لتحديد مصير مبادرتهم علما ان واشنطن دخلت في مرحلة تعطيل السياسة الخارجية بسبب الإنشغال بالانتخابات الرئاسية. ان التحدي أمام الجميع ولاسيما الدول الإقليمية التي تتقدم نحو الحل يكمن في كيفية تحويل الصراع الدموي إلى الحوار بين (الإخوة الأعداء) فهو وحده ينقذ سورية والسوريين ويحقق التغيير المنشود من خلال ضمانات وآليات واضحة وبرامج محددة للانتقال إلى مرحلة جديدة، لأن غير ذلك هو استنزاف للجميع وانفتاح سوريا الدولة والبلاد والمجتمع على المجهول، فالكل قادر على القتل وتجديد دورة العنف ليبقى السؤال، من هو القادر على دفع المبادرات إلى باب الحل والنجاح؟