لا يمكن النظر إلى قضية الخلاف النفطي بين بغداد وأربيل على أنه مجرد خلاف طارئ أو عادي أو حتى أنه خلاف بين نوري المالكي ومسعود البارزاني، وانما يتجاوز ذلك إلى الحسابات والجهود المتعلقة بخيار الاستقلال الكردي وتوفير البنية التحتية لهذا الاستقلال إذا ما نضجت الظروف السياسية المتعلقة بنيل إعلان الدولة الكردية المنشودة الاعتراف الإقليمي والدولي.
لعل حكومة المالكي تتحمل الوزر الأكبر إزاء تفاقم هذا الخلاف بسبب عدم انجازها قانون النفط على رغم من مرور سنوات على تقديمه، وهو أمر يثير الكثير من التساؤلات عن سبب التأخير الذي شكل مدخلا للخلاف وتفاقمه من جهة، ومن جهة ثانية فتح الباب أمام المسعى الكردي في تعزيز القدرة النفطية لإقليم كردستان وتصديره بشكل منفرد بعد ان تم فتح الباب على مصراعيه أمام كبرى شركات النفط العالمية دون موافقة بغداد، حتى خرجت هذه القضية عن كونها قضية عراقية ndash; عراقية وباتت تنذر بمواجهة بين بغداد ومعظم هذه الشركات النفطية التي تقف وراءها حكومات ودول وأشخاص نافذين، وقد كان لافتا رد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على رسالة المالكي بشأن العقد الذي ابرمته شركة إكسون مع إقليم كردستان وتهديده بحرمان الشركات الأمريكية من الاستثمار، إذ جاء الرد بمثابة صفعة للمالكي عندما أعلن البيت الأبيض استقلالية الشركات الأمريكية وعدم تدخل الحكومة في عملها !! وهذا جواب يفهم منه الكثير في السياسة، فهو على الأقل يشكل موافقة ضمنية على عمل هذه الشركات في كردستان حتى دون موافقة بغداد. وحقيقة فان جهود الإقليم لتطوير القدرات النفطية باتت تثير الانتباه الشديد، خاصة في ظل التقارير التي تقول ان انتاجه من النفط سيبلغ مليون برميل يوميا نهاية العام المقبل ومليوني برميل بعد ذلك بخمس سنوات، وعليه يمكن فهم المساعي القوية للإقليم لبناء أنابيب تصدير مستقلة من كرستان إلى الخارج عبر ميناء جيهان التركي، وكذلك فهم أبعاد الميزات الهائلة التي يقدمها الإقليم ونسبة الإرباح الكبيرة نسبيا من قيمة الانتاج للشركات النفطية ( تقدر بين 25 و35 بالمئة بينما في باقي مناطق العراق بين 15 و18 بالمئة) وقد شكلت هذه الحوافز عاملا كبيرا في شد الشركات الرحال إلى كردستان. الحكومة العراقية تتعامل مع زحف الشركات النفطية إلى كردستان بتهديد هذه الشركات،سواء بمقاضاتها كون الإقليم يتبع للسيادة العراقية التي تشمل النفط أو بإنهاء عقودها في مناطق الجنوب وحرمانها من الاستثمار فيها إذا ما أقدمت على إبرام صفقات نفطية مع إقليم كردستان دون موافقتها. في مقابل هذا التهديد تعمل حكومة إقليم كردستان بطريقة هادئة فيها الكثير من الاستراتيجية والاستقلالية معا، وهي تعمل ذلك تتطلع في الوقت ذاته إلى المدى البعيد على اعتبار ان النفط هو المفتاح الاقتصادي للاستقلال الكردي، خاصة إذا ما أصبح الإقليم يصدر النفط والغاز بشكل مستقل عبر تركيا ويحصل على الأموال دون بغداد التي تقول أربيل أنها تتأخر قصدا في دفع مستحقات الشركات النفطية العاملة في كردستان. لكن يبقى السؤال هنا عن الدور التركي ، على نحو هل ترجح أنقرة مصالحها النفطية والاقتصادية بشكل عام على استقلال كردستان وتفكك العراق وانعكاسات ذلك على الأمن المستقبلي لتركيا ؟ لعل ما يشجع تركيا على تعميق الروابط الاقتصادية والسياسية مع كردستان العراق هو تفاقم الخلاف التركي مع حكومة المالكي التي تنتهج سياسة إقليمية إيرانية في مواجهة الدور التركي الإقليمي، وهو أمر يتجاوز القضية النفطية إلى الأزمة والسورية وتداعياتها على مجمل المشهد الإقليمي في المنطقة. بين إندفاع الشركات النفطية إلى كردستان العرق وسياسة التعطيل التي يتبعها المالكي لطالما ليس هناك قانون للنفط في البلاد وتضارب المصالح الإقليمية،بات النفط والغاز موردا وجسرا لاستقلال كردستان العراق.