منذ تعينه مبعوثا دوليا وعربيا للأزمة السورية حرص الأخضر الإبراهيمي على وصف مهمته بالصعبة والابتعاد قدر الإمكان عن الوعود وبعث جرعات التفاؤل، ولعل هذا ما زاد من عدد الذين وصفوا مهمته بالمستحيلة. ومن يدقق في مجمل التصريحات التي أدلى بها الإبراهيمي قبل وصوله إلى دمشق لا بد ان يتوقف عند المضامين أو الرسائل التالية:

1- ان الوضع في سورية معقد وصعب جدا، وعليه فانه يتعامل بعقل مفتوح مع الأزمة وليس من أفكار أو تصورات مسبقة، وان مهمته تحتمل النجاح والفشل معا.

2- ان حل الأزمة السورية سياسية وليست عسكرية، وعليه أعلن ان لا نية لإرسال قوات دولية أو عربية إلى سورية، لأن إرسال مثل هذه القوات يعني نهاية الحل السياسي .

3- تجنب التدخل فيما ينبغي ان يتم الاتفاق عليه مرحليا، والحرص على الابتعاد عن الشعارات من نوع الدعوة إلى رحيل النظام.

4 - ان أي حل سياسي ينبغي ان يقوم على وقف العنف والأعمال العسكرية تمهيدا للبدء بعملية سياسية تحقق طموحات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والتعددية ويحفظ وحدة الدولة السورية.

5 ndash; ان انجاز ما سبق يحتاج إلى إجماع دولي وربما قرارات دولية جديدة كما يقول الإبراهيمي.
6 ndash; ضرورة إدراك معاناة السوريين التي تتفاقم يوما بعد أخر، والإبراهيمي هنا حمل المسؤولية للنظام والمعارضة معا، ولعل من حديثه عن المعاناة ربما ثمة استشفاف أو أمل لديه بأن تكون الأزمة أرهقت الجميع، النظام والمعارضة، القوى الإقليمية والدولية المتصارعة، للانطلاق بالحل السياسي . هذه العناوين التي تصدرت مجمل التصريحات التي أدلى بها الأخضر الإيراهيمي خلال الأيام الماضية تضعه أمام تحديات كثيرة، لعل أهمها: من أين سيبدأ مهمته، هل من مبادرة سلفه كوفي عنان المعروفة بنقاطها الستة أم ان للإبراهيمي استراتيجيته الخاصة ؟ هل سيبدأ كما طالب عنان بوقف العنف وصولا إلى عملية سياسية أم انه سيقلب الهرم بمعنى البدء بعملية سياسية تفتح الطريق أمام الحل ؟ وفي الأساس كيف سيوفق الإبراهيمي بين من يأمل بالحل السياسي وبين الداعين إلى رحيل النظام ؟ وكيف سيتعامل مع اختلاف الإرادات الإقليمية والدولية المتناقضة والمتصارعة على الساحة السورية ؟ وكيف ستعامل مع المتغيرات الإقليمية الجديدة بهذا الخصوص، وأقصد هنا المبادرة المصرية ومن قبل الإيرانية والعراقية ؟ وهل هو بصدد توظيف هذا المعطى الإقليمي الجديد في المرحلة المقبلة في ظل ضعف الموقف الأوروبي و( التعطل الأمريكي ) المشغول بالانتخابات الرئاسية وشلل مجلس الأمن الدولي ؟ دون شك، على هذه الأسئلة وغيرها تتوقف سير مهمة الإبراهيمي، ويبدو ان النقطة المهمة هنا، تكمن في كيفية إحداث اختراق ما في مهمته، إختراق ربما يتمثل في تحقيق نوع من التوافق محليا أو إقليميا أو دوليا على الحل السياسي، ويبدو ان هذا يتوقف على اللقاء الأول للإبراهيمي مع القيادة السورية وتحديدا الرئيس بشار الأسد، فهذا اللقاء الاستكشافي سيكون بمثابة المحدد للإبراهيمي في تحديد خطته واستراتيجية في المرحلة المقبلة، فبناء عليه سيفهم الإبراهيمي عن قرب استراتيجية النظام السوري المقبلة، ومدى الحل السياسي الممكن الذهاب إليه أو الإعلان عن الفشل في مهمته. دون شك، مهمة الإبراهيمي صعبة جدا في ظل تضارب الإرادات والمصالح المحلية والإقليمية والدولية، ولعل ما يزيد من صعوبة الأزمة وتعقيداتها وصولها إلى نقطة حرجة جدا بعد كل أعمال القتل والتدمير والاعداد الهائلة للضحايا والمعتقلين والنازحين ومحاولات عسكرة المجتمع، لكن البيئة التي ينطلق منها الإبراهيمي لجهة التوقيت والمعطيات تجعل منه ربما يأمل النجاح، فبين يديه المعطى الإقليمي الجديد الباحث عن حل سياسي، والموقفين الروسي والصيني الداعم لمهمته، وتلك المعطيات التي تقول إستحالة إسقاط النظام من الداخل ما لم يكن هناك تدخلا خارجيا، وهذا لا مؤشر إليه في ظل الإنشغال الأمريكي بالانتخابات الرئاسية وللحسابات الأمريكية المختلفة بخصوص الأزمة السورية حيث إسرائيل على حدودها دولة تحظى بأولوية كبرى في السياسة الأمريكية والغربية عموما. مهمة الإبراهيمي صعبة جدا، وهو في بحثه عن الحل يدرك جيدا ان مجلس الأمن معطل وان المطلوب ربما إقناع روسيا بالكف عن الفيتو، كما يدرك جيدا ان هناك فرقا كبيرا بين من يريد الحل السياسي ومن يريد عسكرة الأزمة وإدارة المعركة على الأرض. ربما هناك من يرى انه في ظل هذه المعادلات والمعطيات ليس هناك قيمة لمهمة الإبراهيمي، لكن الثابت ان موافقة واشنطن ومجلس الأمن على إرسال الإبراهيمي تأتي في إطار التعويل على الحل، وهو تعويل يتناقض مع ما تريده تركيا وقطر والعديد من الدول العربية التي ترى انه لا بد من رحيل النظام وان وقت الحلول السياسية انتهت.
مهمة الإبراهيمي صعبة، صعوبة تفرض على الإبراهيمي البحث عن نقطة البداية للسير نحو الحل أو اعلان الفشل، وهذا أمر يتوقف على نتائج زيارته الأولى لدمشق.