كثيرا ما وضعت تركيا مجموعة من الشروط للتدخل العسكري في سوريا ، لعل لا ضير من التذكير بها، وهي: بلوغ عدد اللاجئين السوريين خمسين ألفا قبل ان ترفع الرقم إلى مئة ألف، و وجود غطاء دولي لهذا التدخل سواء من داخل مجلس الأمن أو خارجه ، وظهور عناصر مهددة للأمن القومي التركي على خلفية الأزمة السورية ، وأخيرا وحدة المعارضة السورية ووجود قرار لها بهذا الخصوص.
الآن وبعد مرور قرابة 18 أشهر على بدء الأزمة السورية تبدو معظم هذه الشروط قد تحققت أو تقارب من التحقق، وفي وقفة مع هذه الشروط يمكن التوقف عند المعطيات التالية: 1- تشير أخر التقارير ان عدد اللاجئين السوريين إلى تركيا تجاوز 75 ألف لاجئ ، ومع انه رقم أقل من المئة ألف الا انه في ضوء تصاعد العمليات العسكرية للجيش السوري وازدياد حدة المواجهات مع الجيش الحر ولاسيما في مناطق أدلب وحلب وريف حلب فان الرقم مرشح لتجاوز المئة ألف خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، ومثل هذا العدد الضخم تقول أنقرة انها غير قادرة على التعامل معه وبالتالي لابد من البحث عن حل سياسي وأمني لهؤلاء اللاجئين عبر إقامة منطقة آمنة لهم داخل الأراضي السورية. 2- لا يخفى على المراقب تزايد حدة عمليات حزب العمال الكردستاني على وقع الأزمة السورية ، فأخبار المواجهات في ولاية هكاري وتحديدا في مناطق شمزينان والحديث عن نية حزب العمال الكردستاني الإعلان عن إقامة منطقة محررة تكون بمثابة نواة لإقامة كيان كري والانطلاق منه إلى مناطق أخرى، كما أن تفجير سيارة مفخخة في منطقة غازي عنتاب في حادث هو الأول من نوعه، فضلا عن دخول منظمة الجيش السري الأرمني لتحرير أرمينيا والمعروفة بـ أسالا إلى خط الاحداث وتهديدها الحكومة التركية بعد غياب طويل، وكذلك المخاوف من صراع طائفي بين العلويين والسنة في تركيا ولاسيما في المناطق الحدودية مع سوريا، كلها عوامل عرقية وطائفية باتت تهدد الأمن القومي التركي من الداخل، وفي الخارج فان الحديث عن سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الموالي لحزب العمال الكردستاني على مناطق كردية في الشمال السوري باتت تشكل كابوسا جديدا للحكومة التركية وسط مخاوف من تكرار تجربة إقليم كردستان العراق، بما يعني التواصل بين المناطق الكردية في هذه الدول حيث الخوف التركي الدفين من إقامة دولة كردية في المنطقة، نظرا لأنها ستكون أكبر المتضررين من ذلك. 3- على صعيد المعارضة السورية، غير خاف على أحد ان هذه المعارضة وأقصد هنا المجلس الوطني يطالب بقوة التدخل العسكري في سوريا سواء بقرار دولي أو دونه ، فهو لا يتوقف عن هذه المطالبة ليلا نهارا لطالما ان هدفه هو إسقاط النظام ويرفض أي حوار معه. 4 ndash; لعل العامل أو الشرط التركي الذي لم يتحقق حتى الآن للتدخل العسكري في سوريا هو غياب قرار دولي بسبب الفيتو الروسي ndash; الصيني الدائم في مجلس الأمن، ويضاف إلى هذا الهدف حضور البعد الروسي ndash; الإيراني عند أي تحرك عسكري تركي تجاه سوريا. لكن من يقرأ يوميات السياسة التركية إزاء الأزمة السورية لا بد ان يرى السعي التركي الحثيث لتجاوز الشرط الأخير، فلسان حال رجب اردوغان واحمد داود اوغلو يقول ان قواعد اللعبة تغيرت بعد إسقاط الجيش السوري لطائرة عسكرية تركية قبل نحو شهرين، كما ان حركة الحشود العسكرية المتجهة من أفراد وشتى أنواع الأسلحة إلى المناطق الحدودية السورية لا تهدأ، كذلك فان حركة المناورات ومحاولة الاشتباك مع القوات السورية على الجانب الأخر باتت سياسة تركية معتمدة بعد ان تجنبت أنقرة ذلك طوال الفترة الماضية. انطلاقا من كل مسبق، يمكن فهم الإصرار التركي على إقامة منطقة حظر جوي فوق المناطق الشمالية من سوريا كخطوة أولى لإقامة منطقة أمنية عازلة ليس لنقل اللاجئين السوريين إليها فحسب، بل لتكون منطلقا للجيش السوري الحر من أجل الانتقال إلى مرحلة السيطرة النهائية على المناطق التي تدور فيها الاشتباكات بعد ان حال القصف الجوي للجيش السوري دون مثل هذه السيطرة النهائية، ولعل هذا ما يفهم من الحديث التركي عن إعادة بناء الجيش الحر ليكون جيشا نظاميا له تراتيبة ومسؤوليات. دون شك، لايمكن النظر إلى تطورات الموقف التركي هذا خارج سياق التفاهم والتنسيق مع الولايات المتحدة، إذ شكلت هذه المواضيع محور مباحثات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون خلال زيارتها الأخيرة إلى أنقرة والتي من بعدها ارتفعت وتيرة التهديدات الأمريكية بسيناريوهات التدخل العسكري في سوريا ولاسيما إقامة منطقة حظر جوي كما تحدث العديد من المسؤوليين الأمريكيين السياسيين والعسكريين. مجمل ما سبق ، يشير ان إلى ان الشروط التركية للتدخل العسكري في سوريا باتت قريبة من التحقق وربما يكون ما بعد اجتماع مجلس الأمن الدولي في الثلاثين من الشهر الجاري موعدا حاسما من أجل التحرك العملي لإقامة منطقة حظر جوي سواء بقرار دولي أو من دونه.