إذا كانت الولايات المتحدة قد أظهرت حرصها، قبل أشهر، على أن لا تخرج الأزمة في سورية إلى جوارها، وإلى لبنان؛ بالنظر إلى رؤيتها للأزمة، والمنطقة، فإن الذي يدفع أبناء المنطقة إلى ذات الهدف أمرٌ لا تهاون فيه، إن توسع الصراع يعني للجميع حياةً لا تُطاق، فوق التعب والمعاناة اليومية؛ نتيجة الأزمات المستعصية.

وأضرار الحروب الأهلية والطائفية لا تحتاج إلى إثبات، فعلى رأي زهير بن أبي سُلمى:

laquo; وما الحربُ إلا ما علمتُمْ وذقتمْ- وما هو عنها بالحديث المُرَجَّمِ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً- وتَضْرَ إذا ضرَّيتموها فَتَضْرَمِraquo;.

ومناسبة هذا الكلام التطوراتُ الخطيرة، في لبنان، من اختطاف؛ ردا على اختطاف، والتهديدات المبطنة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر، وقد قيل الكثير عن دلالات ذلك، من انعدام هيبة الدولة، إلى خطر انحلال الدولة ذاتها، وانفضاض العقد الاجتماعي الهش، في لبنان.

ولا يخفى أن جذر الأزمة في سورية، وربما كان القتل الخارج عن حدود الإنسانية والعقل، إلى الوحشية والنذالة، باستقواء السلطة المأزومة بحدة، على مَنْ يُفترَض أنهم شعبُها، وركيزةُ دولتِها، وخزَّانُها البشري، وهي فظائع يمكن أن توصف_ بلا شتيمة_ بالعداونية، والنذالة.

تلك الجرائم الواسعة النطاق التي لا تقتصر على المقاتلين، مع ضعف إمكانات الطرف المقابل، وهم المتمردون، وlaquo; الجيش الحرraquo; دفعت إلى تصرفات ثأرية، لم تقتصر على قوات النظام، وأزلامه، بل طالت من يعتقد laquo; الجيشُ الحرraquo; وأنصارُه بتورطهم في سفك دماء السوريين، وانتهاك أعراضهم، أو المعاونة على ذلك.

وبغض النظر، عن مدى ثبوت تورط عناصر في laquo; حزب اللهraquo; في مساندة قوات الأسد، فعليا، وميدانيا، (لأن مساندة الحزب له، سياسيا، معلنة)؛ فإن القيام بأعمال، كخطف المدنيين، الذين لم يثبت تورطهم في القتال، يعد ضررا وخطرا بالغا.

ذلك أنه يجب تقليل الأعداء، لا تكثيرهم؛ باستفزاز المحايدين، أو حتى المتعاطفين مع مطالب السوريين العادلة، فمن المعروف أن نقاشا يدور داخل أنصار حزب الله، وحاضتنه الاجتماعية، حول أخلاقية دعم نظام الأسد المعروف بوحشيته، وطغيانه، مع الإقرار بأن الرأي الغالب هو الرأي المؤيد للموقف الرسمي للحزب.

وقد تعالتْ في الأيام الأخيرة أصواتُ زعامات شيعية لبنانية تندد بجرائم الأسد، وبغض النظر، كذلك، عن ثقل هذه المرجعيات، وتأثيرها، إلا أنها تثبت اللاإجماع، الأمر الذي يُمكن البناء عليه، ماديا وسياسيا.

وقبل الحسابات المادية ثمة اعتبار أخلاقي بالغ الأهمية، وليس خِلْوا من التأثيرات المادية، ذاك المتمثل في الحفاظ على نقاء هذه الثورة، مبرَّأة من مثالب النظام وجرائمه..وقد تعالت الأصوات، مؤخرا، منددة بما اقترفه بعض عناصر (الثوار) في حلب، من إعدامات ميدانية، بطرق بالغة القسوة والبشاعة؛ ما جعل laquo;الجيش الحرraquo; يعلن إدانته لتلك التصرفات، ويحث، ويحذر من تَكرارها.

ولعل من المهم التذكُّر أنَّ تصدير الأزمة إلى خارج حدود سورية، وبالذات، إلى لبنان، الخاصرة الرخوة في المنطقة العربية، المتأججة المشاعر، وكثير من تلك المشاعر طائفي، أو قابل لأنْ يكونَه، مصلحةٌ للنظام اليائس من إخماد الثورة في دمشق.

وهو أمر هدد به رأسُ النظام، حين تحدَّثَ عن زلازل وأفغانستانات في المنطقة، إذا ما تعرضت سلطتُه إلى خطر حقيقي، وكانت مخططاته، وتهديداته، قد ظهر بعضُها، وانكشف مدى ما يضمره من شر يائس، من خلال الاعترافات المنقولة عن ميشال سماحة، المُقرَّب من الأسد، ونظامه، وهي القضية التي هزت لبنان، والمنطقة العربية، وأحرجت أنصار الأسد في لبنان؛ حتى آثروا الصمت.

فهذه اللحظة، على رغم صعوبتها، ودمويتها على الشعب السوري، والمناطق المتمردة؛ بسبب التصعيد غير المسبوق الذي يعلنه النظام عبر الطائرات المدمرة والحرب الشعواء؛ فإن أية توسعة للأزمة إلى خارج سورية، وإلى لبنان، بالذات، قد يوفر طوقَ نجاةٍ، لهذا النظام المتورط في الجرائم؛ حين تُعوَّم الحرب؛ لتشمل المنطقة كلها، والإقليم.

وهنا تسير الثورة في عكس الاتجاه؛ إذ بدلا من طمأنة المُكوِّنات المتخوِّفة، أو المُخوَّفة، يجري تعزيز تلك المخاوف!

وبهذا يلوذ (النظام) بالطوائف التي يظنها أقربَ إليه، ويورطها في صراعات، على صعيد آخر، غير الصعيد الذي يؤرقه، وهو شعب تشترك كلُّ طوائفه على مطلب أوَّلي، يتمثل في الخروج من نمط النظم الشمولية الطغيانية البائدة، إلى نظام تشاركي يحترم مواطنيه، أو يقر بوجودهم، على الأقل، وبحقهم الأصيل في ممارسة إرادتهم، وحياتهم.
فحذارِ من نقل المعركة، أو من ضياع البوصلة!


[email protected].