كانت انتفاضة الإصلاحيين الخضراء في إيران في العام 2009 التي قام بها الشباب والطلاب، بقيادة (حسين موسوي)احتجاجا على نتائج الانتخابات، آنذاك بمثابة الإرهاص الذي بدا مؤشرا على استعادة ثورية جديدة للإصلاحيين في إيران لولا القمع العنيف الذي قام به نظام الملالي ضد تلك الانتفاضة.
وإذا كان من أبرز العلامات التي دل عليها ذلك التداعي الغريب في العدوى التي انعكست وبالا على أسوأ نظامين ديكتاتوريين بسبب تورط زعيميهما بصورة أو بأخرى ضد الأحداث الثورية التي كانت تجرى في بلدان الثورة الأولى؛ مثل ذلك التعليق الذي أطلقه القذافي متهكما من الثورة التونسية، ومثنيا على الدكتاتور زين العابدين بن علي، فكان جزاء ذلك الموقف أن وصلت الثورة إليه وأسقطت نظامه
ولما قام النظام البعثي السوري بتزويد القذافي بطيارين سوريين لقمع الثورة الليبية، كانت النتيجة الأخرى هي : وصول الثورة إلى سوريا. وهاهي توشك أن تحرق النظام بعد أن أصبح في حكم (الميت) كما قال الرئيس التونسي المنصف المرزوقي
في ضوء هذه الحقائق ربما كان من المهم جدا توقع انتقال الثورة إلى إيران، بسبب دعمها للنظام السوري المجرم والتخندق معه بطريقة مفضوحة ومكشوفة في قتل الشعب السوري، بل وإنفاقها أكثر من 10 مليار دولار دعما لذلك النظام المجرم. بحسب صحيفة التايمز البريطانية.
إن تورط إيران بهذه الطريقة المكشوفة، والتي لا تترك عذرا لأي متعاطف معها، في المنطقة العربية سيطرح الكثير من التساؤلات الخطيرة حيال مستقبل نظامها بعد التحولات الكبرى للربيع العربي في المنطقة.
والحال أن مستقبل النظام الإيراني لا يمكن أن يكون على ماهو عليه بعد سقوط النظام السوري. والأرجح أنه سيكون هناك الكثير من دواعي تحرك الثورة الإصلاحية الكامنة،لاسيما إذا تزامن سقوط النظام السوري مع الانتخابات الرئاسية القادمة في إيران، وهي بالطبع انتخابات ستعيد إلى الواقع ذكرى الانتفاضة الخضراء.
هناك أكثر من مؤشر على امكانية هذا السيناريو الثوري في إيران.
فالحاجة إلى الثورة في إيران تتقاطع مع الكثير من الاستراتيجيات الدولية والإقليمية والداخلية؛ فمن جهة هناك أزمة اقتصادية خانقة في إيران، وهي أزمة قد تلعب دورا كبيرا في إطلاق شرارة الثورة للتخلص من نظام الملالي، لاسيما إذا حاول احمدي نجاد تزوير نتائج الانتخابات في المرة القادمة.
ومن جهة ثانية لا يزال شبح الحرب النووية يخيم على منطقة الشرق الأوسط بسبب التهديدات المتبادلة بين ايران وإسرائيل. وعجز كل من الولايات المتحدة وأوربا عن تحقيق أي اختراق في مفاوضات الملف النووي الإيراني، والشعور بأن تلك المفاوضات قد تستمر لسنوات أخرى.
ومن جهة ثالثة هناك تغيير كبير في قواعد اللعبة الإيرانية في الساحة العربية بسبب ثورات الربيع العربي التي كشفت تناقضات إيران ومواقفها المتهافتة والمفضوحة في تأييدها لبعض تلك الثورات ــ كالثورة المصرية ــ ووقوفها إلى جانب النظم الديكتاتورية التي قامت ضدها هذه الثورات أصلا ــ كوقوفها مع النظام السوري ــ وهو بطبيعة الحال تناقض واضح أطاح ــ مرة وإلى الأبد ــ بصورة إيران التي كانت تسعى إلى تسويقها كمحور مقاوم للهيمنة الأمريكية في المنطقة، وملهم لشعوب المنطقة نحو التحرر، وما إلى ذلك من تخرصات انطلت على الكثيرين.
وحيال هذه التناقضات والأزمات التي تأتي من داخل إيران وخارجها فإن أي شرارة للثورة القادمة في إيران ستجد إجماعا كبيرا سواء في المنطقة العربية أو من الولايات المتحدة وأوربا. وسيكون ذلك التأييد فرصة تاريخية للخلاص المزدوج من هذا النظام الآيدلوجي المتآكل، والذي وصل إلى نهاياته وأصبح أبعد ما يكون عن مناصرة الضعفاء والمظلومين، كما بدا للبعض في العام 1979 م.
بطبيعة الحال سيكون هناك سيناريو رهيب من القمع الدموي لهذا النظام الآيدلوجي العتيد والمشحون بأوهام مهدوية وخلاصية قاتلة (لا سيما وأن احمدي نجاد هو من طائفة شيعية صغيرة جدا تسمى بالـquot; حُجَتِّية quot; ترى أن ظهور المهدي وشيك جدا!)
ستجري دماء غزيرة نتيجة لقمع الثورة القادمة في إيران، لكن الشعب الإيراني الذي ثار في العام 1979م وقدم آخر نموذج للثورات الكلاسيكية في العالم عبر تضحياته بعشرات الآلاف الذين سقطوا في تلك الثورة؛ ربما يكون اليوم أكثر اصراراً على الخلاص من هذا النظام الكهنوتي المجرم، لاسيما بعد أن أصبحت جرائمه أكثر وضوحا بوقوفه مع النظام القاتل في سوريا.
الشعب الإيراني شعب ذو حضارة عريقة، ويعرف تماما أن لاشيء في هذا العالم يبرر قتل الأبرياء والشرفاء الذين يُقتلون من أجل الحرية في سوريا. وسيدرك هذا الشعب أن وقوف النظام الإيراني مع النظام السوري في ممارسة ذلك القتل سيكون من أكبر دواعي الثورة ضده، عاجلا أم آجلا.

[email protected]