يمر نظام المؤتمر الوطني في الخرطوم هذه الأيام بأزمات مركبة. فمن ناحية باءت محاولته لجذب قوى المعارضة إلى الشراكة معه في السلطة على طريقته القديمة القائمة على المراوغة وكسب الوقت، بالفشل الذريع بعدما رفضت أحزاب المعارضة الدخول معه في شراكة وهمية.

ومن ناحية ثانية لا تزال المفاوضات العسيرة بينه وبين حكومة جنوب السودان تراوح مكانها في أديس أبابا، وبالتالي ثمة مؤشرات كثيرة على امتداد مرحلة البيات الشتوي التي يمر بها النظام لعدم قدرته على الحد من الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الغذائية والمحروقات.
وحيال هذين الانسدادين كان لابد للنظام أن يلجأ إلى مصر متماهيا بالكذب مع نظامها الذي يحكمه الإخوان المسلمون على خلفية المرجعية والشريعة الإسلامية، بحثا عن غطاء له من تداعيات الربيع العربي، وليغطي تمرير الكثير من الاتفاقيات التي عقدها مع الوفد الحكومي المصري برئاسة رئيس وزراء مصر الذي زار السودان مؤخرا لتدشين العديد من المشاريع الزراعية تم الشروع فيها سريعا بطريقة أثارت دهشة أحد الإعلاميين المصريين الذين تعجبوا من سرعة إبرام تلك الاتفاقيات التي ستزرع مصر بموجبها عشرات الالاف من الفدادين الزراعية في السودان، وبأسلوب وضع اليد تقريبا!.
فالنظام في السودان إذ أصبح عاجزا عن ترميم شرعيته المفقودة أصلا من خلال اختراق المعارضة، وفي الوقت عينه عاجزا عن الوصول إلى اتفاق سريع مع الجنوبيين يسمح له بتدفق البترول عبر أراضيه وبالتالي سد بعض الفجوات التي تفاقم الوضع الاقتصادي هاهو الآن يحاول التلطي بمصر الإخوانية ليضمن له غطاء عبر تلك الاتفاقيات التي تعتبر بمثابة تسهيلات أكثر منها اتفاقيات، لاسيما في ظل تعثر تطبيق نظام الحريات الأربع من طرف مصر. حيث لا يزال السودانيون يدخلون مصر بموجب تأشيرات من السفارة المصرية دون العكس.
وهكذا في ظل مثل هذا التداعي يمكن للنظام في الخرطوم أن يلعب بالكثير من خروقات السيادة الوطنية مستبدلا إياها بسقفه الأمني والاقتصادي المحدود.
وفي سياق حالات كهذه أصبح فيها الفساد يزكم الأنوف، وأصبح بعض وزراء النظام يجاهر بذكائه في حيازة المال العام لا يمكن للنظام إلا أن يخضع للإكراهات التي تكشف تهافته بصورة أصبح معها الاختفاء وراء الشعارات الإسلامية مثل (هي لله هي لله، لا للسلطة ولا للجاه) مكشوفا أمام الشعب.
والحال أن تلك الإكراهات في مجال السياسة لا يمكن أن تخفى عن عيون السودانيين. فمن خلال التفريط في منطقة حلايب الحدودية مع مصر أولا على خلفية التكتم حول قضية محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس ابابا عام 1995 كمقايضة سياسية بين النظامين، ثم السكوت عنها اليوم لأسباب تتعلق برغبة نظام الخرطوم في الاستفادة من وحدة المشروع الإسلامي المتوهمة بينه وبين الإخوان في مصر. ثم الصمت على احتلال منطقة الفشقة الحدودية من طرف أثيوبيا، والأخبار المتسربة حول بيع بعض جزر البحر الأحمر كمناطق سياحية لبعض الخليجيين، يصبح من الصعب اللعب على تلك الإكراهات إلا كفضيحة بادية للعيان يتحول فيها السودان إلى ما يشبه حديقة خلفية لمصر لقاء الرغبة المحمومة للتماهي مع الإخوان فيها وإدعاء حيازة المشروع الإسلامي ــ مع أن الفرق واضح في كيفية الوصول للسلطة بين النظامين ــ خصوصا بعد أن صرح أحد أقطاب النظام واعترف بأن نظام الانقاذ أصبح تماما كالدواء الفاقد للصلاحية في علاج مشكلات السودان المتفاقمة. فما صرح به (قطبي المهدي) كان من باب (وشهد شاهد من أهلها) ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، هكذا بدت لنا تلك الإكراهات السياسوية التي يتخبط فيها نظام الخرطوم.
وحيال أوضاع كهذه يمكن فهم الاختراقات الاسرائيلية للأمن السوداني في شرق السودان والقيام بأكثر من غارة بطائرات اسرائيلية داخل حدود السودان دون أن تتحرك الحكومة لحماية شعبها !
ولعل من المضحك المبكي أن الله ابتلى رؤوس النظام في الخرطوم بتصريحات مفضوحة ومثيرة للضحك والسخرية لشدة تهافتها.
وهكذا حين قال البشير أن السودان سيطبق الشريعة خلال هذه السنة كان الناس يتساءلون ببراءة : إذن ماذا كان يفعل النظام طوال 23 عاما ؟
وبالمقابل حين سأل أحد الإعلاميين النابهين وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين عن وسائل الدفاع التي رصدتها الحكومة لمواجهة الغارات الإسرائيلية في المستقبل، أجابه الوزير برد مضحك وغريب عجيب قائلا (ان لدينا استراتيجية جديدة هي استراتيجية الدفاع الجوي بالنظر) ــ شاهد الفيديو ــ وحين سأله المذيع عن فحوى هذه الاستراتيجية أجابه : بالنظر يعني بالنظر أي ابالعين المجردة التي تتجاوز رصد الرادارات !؟... في ظل أوضاع كهذه لا تضمن مصر شيئا للسودان وإنما تلعب معه في حدود مصلحتها فقط يعني (شيلني وشيلك)