بانتهاء المهلة التي وضعتها خطة كوفي أنان، والتي وافق عليها النظام السوري بحلول 12 إبريل، سيكون مأزق النظام السوري قد اكتملت حلقاته، مما قد يؤدي إلى انعكاس مأزقه ذاك مأزقا في الشرق الأوسط.
فقد كان واضحا منذ أن اندلعت الثورة في سوريا أن النظام قد اتخذ قراره بتعويم العنف وتعميمه كآلية وحيدة لقمع الثورة، مستندا في ذلك إلى سابقة (مذبحة حماة في العام 1982) لكن اختلاف التوقيت وتعدد المكان جعل من حسابات النظام السوري رهانا عقيما وغير ذي جدوى.
ذلك أن العنف الأعمى أداة نسقية، ولا يمكن بذاتها أن تكون فاعلة في مواجهة شعب كامل طالب بحقوقه المشروعة التي تضمنها له كل المواثيق والمعاهدات الدولية. وهاهو النظام السوري يجرب مرة أخرى سيناريو العنف ويحاول المراوغة في مواجهة خطة المبعوث الأممي والعربي ليلتف عليها كما التف على خطة جامعة الدول العربية في المرة السابقة، دون أن يدرك أن ثمة عواقب خطيرة ستترتب على إخلاله بتعهداته حيال الخطة الأممية هذه المرة.
ولأن النظام السوري يراهن على الزمن كوسيلة أخرى لقمع الثورة، ظن أن ازدياد أعداد القتلى ربما يكون رهانا آخر يوهمه بكسر إرادة الشعب السوري
والحال أن الكماشة هذه المرة أصبحت محكمة، فإما أن ينصاع النظام لما تعهد به ويقوم بتطبيق البنود الستة لخطة كوفي عنان، وعندها ستخرج الملايين إلى الشوارع للمطالبة برحيله، وسيتعقد الموقف بصورة خطيرة بحيث لن تقبل تلك الملايين إلا بسقوطه الكامل، وإما أن يصر على القمع والقتل ويواصل خروقاته المتكررة لبنود الخطة، ومن ثم يتم تحويل القضية إلى مجلس الأمن تحت البند السابع. وسيكون في ذلك إحراج كبير لكل من روسيا والصين، ومأزق حقيقي لهما إذا وقفتا إلى جانب النظام السوري.
ربما يتساءل البعض : سيعود السيناريو القديم مرة أخرى، وستقف روسيا والصين أمام تمرير قرار الفصل السابع مرة أخرى.
بالطبع هذا سؤال مشروع، لكن هذه المرة كانت هناك توافقات ضمنية داعمة لخطة كوفي أنان من طرف موسكو وبكين، وفي هذه الحال ستكون تلك الموافقات الضمنية محك اختبار لكل من موسكو وبكين، بعد أن تجاوز النظام السوري كل الخطوط الحمراء وأصبح مصدر حرج حقيقي لهما.
روسيا والصين بالطبع تعرفان تماما أن النظام ينزلق إلى الهاوية والدمار باعتماده خيار العنف المفرط في مواجهة الشعب السوري، حتى تجاوز عدد القتلى 10 ألف قتيل. كما أن روسيا والصين تدركان تماما أن هذه الحدود التي تجاوزها النظام السوري لا تخدم مستقبل المصالح الحيوية لهما في المنطقة العربية.
وسيكون السؤال : ما الفائدة من الوقوف مع نظام أصبح عبئا عليهما، وربما يقود إلى إشعال حرب في المنطقة عبر جر حليفته الوحيدة في الشرق الأوسط (إيران) ؟
يقول البعض أن موسكو تخاف من عدوى الربيع العربي عند سقوط النظام السوري وتهديد تلك العدوى للجمهوريات الإسلامية التي على حدودها. وحين نصل إلى هذا الافتراض سنجد تفسيرا واضحا لموقف النظام الإيراني الذي يتقاطع مع روسيا في هذه النقطة. ذلك أن النظام السوري هو الحليف الوحيد لإيران في المنطقة العربية فإيران تدرك، بعد أن فكت حماسُ ارتباطها بها كنتيجة لأحداث الثورة السورية، وبعد تورط حزب الله واهتزاز صورته في المنطقة العربية ؛ بوقوفه مع النظام السوري. لكل ذلك تدرك إيران أن وقوفها مع النظام هو في صورة ما دفاع عن نفسها. فسقوط النظام في دمشق بفعل الثورة سيكون بمثابة استئناف لشرارة انتفاضة الإصلاحيين في ايران التي تم اجهاضها بالعنف في العام 2010 م.
وهكذا إذ تتقاطع بعض المصالح مابين إيران وروسيا دعما لنظام دمشق الآيل للسقوط لامحالة، لابد لروسيا في هذا الصدد أن تعيد ترتيب أوراقها في المقارنة بين مصالحها الدائمة في المنطقة العربية، وكذلك في الولايات المتحدة، وبين مخاوفها ومحاذيرها من شبح الربيع العربي في الجمهوريات الإسلامية المتاخمة ؟
الأيام القليلة القادمة ستكشف لنا ماذا ستفعل روسيا حيال الموائمة بين مصالحها الراجحة، ومخاوفها المرجوحة.
من جهة أخرى لا يمكن للمجتمع الدولي أن يسمح بالمزيد من الضحايا في سيناريو الرعب والعنف الذي يمارسه النظام السوري. ففضلا عن الحرج الأخلاقي، ثمة شبح لحرب أهلية يمكن أن يتحول إلى حقيقة بتفاقم العنف وارتفاع عدد الضحايا. وعند ذلك ستعم الفوضى، ولن تنفع عندها المحاذير الغربية سواء في أوربا أو أمريكا ؛ التي تتحسس من التدخل في الوضع السوري لحساب أمن إسرائيل.
هناك أيضا مصلحة تركيا حيال التهديد الخطير على حدودها وتداعياته على أمنها وسلمها، وهي دولة كبرى وعضو في حلف الناتو، ما يعني أن هناك الكثير من احتمالات التوافق بين الغرب وتركيا والدول العربية على ترتيب أجندة تسمح بالتدخل ــ بصورة من الصور ــ في مواجهة هذا الموت والجنون الذي يصبه النظام السوري على الشعب دون هوادة.
لقد كان واضحا منذ البداية أن النظام السوري صمم تصميما خطيرا على تدمير ذاته باختيار العنف طريقا لقمع الثورة. ولا أحد في منطقة الشرق الأوسط يستطيع أن يذهب معه إلى الشوط الأخير.ولهذا فإن تدخل إيران وإصرارها على وقوفها مع النظام السوري ربما لن يردعها عنه إلا محاولة استئناف حراك شعبي من داخلها، أو ضغوط خارجية على خلفية ملفها النووي وتسوياته.
[email protected]