الجميع يعرفون أن النظام السوري يملك أوهاما عريضة عن دوره في المنطقة، كما يعرف الجميع أن الثورة على الأرض تحقق انتصارات بالنقاط على النظام، فيما تتسع دائرتها في عموم المدن والقرى السورية.
المعارضة تدرك تماما أيضا أن نشاطها المستمر في الخارج عبر المجلس الوطني يجد يوما بعد يوم ترحيبا من المجتمع الدولي، وتفهما من جميع الدول الغربية والعربية. شهداء الثورة الذين قتلهم النظام بلغ عددهم حوالي سبعة آلاف بحسب آخر الإحصائيات. حصار إيران ومقاطعتها وتراجعها عن تهديداتها المجوفة، ورحيل علي عبد الله صالح عن الحكم بتلك الطريقة التي سجل من خلالها اعترافا بالأخطاء وطلب عفو الشعب اليمني ؛ بالإضافة إلى قيام الجامعة العربية بتقديم المبادرة في مجلس الأمن من ناحية، وتقرير الفريق الدابي ومؤتمره الصحفي من ناحية ثانية، الذي تزامن مع صدور المبادرة العربية ؛ كل ذلك يعكس زخما كبيرا ويضخ تسارعا واضحا في المسار الإيجابي للثورة السورية.
في ضوء كل هذه المعطيات المتزامنة كان واضحا أن النظام سيرفض المبادرة الجديدة للجامعة العربية، لكن السؤال الذي سيطرح نفسه هو: إذا تعذرت كل السبل عبر هذه المسارات المتقاطعة نتيجة لتعنت النظام السوري ورفضه لكل تلك الحلول المقدمة هل يمكننا القول أن المبادرة العربية الجديدة هي محاولة لمد عمر النظام السوري مرة أخرى، أم محاولة لتفجيره من الداخل؟
لا نملك إجابة واضحة ودقيقة، ففي السياسة ليست هناك إجابات قاطعة أو جاهزة على تداعيات الأحداث وسيولتها، لكن الأكيد أن قرار الشعب السوري الواضح نحو إسقاط النظام عبر استجابته للمواجهة السلمية وكسر حاجز الخوف مرة وإلى الأبد، والخروج في أجواء الصقيع والبرد القارس بعشرات الآلاف كما حدث في دوما يوم الأحد الماضي ؛ كلها مؤشرات على يقين مطلق لدى هذا الشعب بالنهاية الأكيدة للنظام حين يحسب أن القوة العارية يمكن أن تحقق له الأمان في مواجهة شعب قرر التخلص منه بشجاعة.
ماذا سيفعل هذا النظام بعد أن بلغ درجة من العته والغباء جعلته أمام مهمة انتحارية لا محالة؟ فهو إذ لا يملك سوى العنف بديلا إنما يضع نفسه في طريق خاسر لأن الشعب عرف تماما نقطة ضعفه الأكيدة.
لقد انحشر النظام في الزاوية الأخيرة، بعد أن بات الجميع تقريبا في قناعة تامة بأنه قد انتهي وأنه الآن يسير نحو الهاوية والخيار الشمسوني.
وفي الأسابيع القادمة، وعلى ضوء تفاقم الأوضاع الاقتصادية ستتكشف بعض التصدعات التي ستضرب بنية النظام من داخله.
فما عرضته الجامعة العربية في مباردتها وإن بدا ظاهره محاولة لإنقاذ النظام إلا أن الانسداد الذي سينعكس في ردود فعل النظام على هذه المقترحات المرفوضة من قبله، وتبني مجلس الأمن الدولي لهذه المقترحات في انعقاد جلسته القادمة، ربما يشكل ضغطا على النظام وحلفائه، روسيا وإيران. وربما سيجد البعض من داخل النظام فرصة للاحتجاج على رفضه، سواء لجهة النظر للمبادرة على أنها فرصة نادرة للخروج من المأزق، أو حتى بحسبانها مناسبة للخروج عن النظام وترك سفينته الغارقة.
كان واضحا منذ البداية أن قرار الشعب السوري بتصفية هذا النظام وإسقاطه في ضوء الجرائم الفظيعة التي ارتكبها بحقه خلال الأشهر العشرة من عمر الثورة السورية، إنما هو رد فعل طبيعي على نهاية حقبة طويلة من القمع والقهر بلغت مرحلة أصبح من الصعب تحملها ؛ ما أدى إلى انفجار التناقضات في النهاية، تفاعلا مع الأمل الذي أحياه الربيع العربي في نفوس السوريين.
ومالا يدركه هذا النظام بغبائه هو تصديقه المستمر لتلك المعادلة التي ظل يمارسها طوال أربعين سنة من خلال مقايضة الخوف بالاستقرار، ومن ثم محاولة تخويف شعب ماعاد خائفا. لقد بطلت تلك المعادلة، وتجاوزها الشعب السوري إلى الأبد.
لايمكننا القول في ضوء مجريات الوضع السوري الذي هو أشبه بردود فعل القذافي على ثورة الشعب الليبي حين واجهها العقيد بالعنف المميت وقتل الآلاف من الشعب في محاولة لتخويفهم بالقتل المفرط، إلا أن السيناريو الذي هو الأقرب للتحقق يكمن في ردود فعل قوية ستشهدها الساحة السورية في الأسابيع القادمة سواء من طرف تصعيد الثورة لزخمها بصورة أكثر، أو من طرف ردود فعل المجتمع الدولي بعد أسبوعي المهلة التي أعطتها الجامعة العربية لتنفيذ مبادرتها.
ومن خلال التسريبات التي تضخها وساءل الأنباء، كالعرض الإيراني للإخوان المسلمين على تولي الحكومة مع بقاء بشار لأسد رئيسا أو غيرها، يمكننا أن ندرك مدى الضعف الذي وصل إليه النظام في سبيل بقائه على الحكم ولو مع أعداء الأمس الذين أصدر بحقهم قانونا يجعل من مجرد الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين سببا لتنفيذ حكم الإعدام؟!
ظل النظام يوحي للشعب السوري على مدى أربعين عاما، أنه جزء من عناصر الطبيعة التي لن تتغير كالجبال، وأن مايصدر عنه أشبه بالقدر الذي لا يملك الشعب القدرة على رده. وحين وقعت المعجزة من الشعب بكسر حاجز الخوف صدق النظام أوهامه الإلوهية حيال قدرته الجبارة على تخويف شعب ظل يحكمه بالحديد والنار لأكثر من 40 عاما.
ولأن النظام يملك يقينا مطلقا حيال أوهامه لاسيما ذهنية رئيسه المريضة فهو حتى الآن لم يصدق ـ ولن يصدق ـ أن العنف أصبح غير مجديا. لكن إكراهات الواقع الصلب التي ترده إلى مثل القبول بالعرض الإيراني مثلا، والقبول ببعثة المراقبين حين لوحت الجامعة العربية أمامه بعصا مجلس الأمن ؛ كل تلك المعطيات هي أكبر عناصر اليقين لدى الشعب السوري على أن النظام أصبح بالغ الهشاشة وأنه نمر من ورق وكائن مريض جدا معرض للموت في أي لحظة. هذا اليقين المطلق الذي اكتشفه الشعب حين كسر حاجز الخوف هو الضمان الأكيد لسقوط النظام عاجلا أم آجلا. فقد حدث ذلك من قبل في تونس ومصر وليبيا واليمن، وهو بالتأكيد ما سيحدث في سوريا.
[email protected]