هل يمكن لايران ان تكون جزءا من الحلّ في سوريا؟ الجواب في طبيعة الحال لا والف لا. لا لشيء سوى لانّ ايران جزء اساسي من المشكلة، بل لبّ المشكلة نظرا الى انها تعتبر نفسها جزءا لا يتجزّأ من النظام السوري. انها أمّ النظام وابوه، خصوصا في مرحلة ما بعد تولي الرئيس بشّار الاسد السلطة خلفا لوالده في العام 2000.
من يبحث عن حلّ في سوريا عن طريق ايران، انّما يبحث عن سراب لا اكثر. هذا كلّ ما في الامر. الباقي دوران في حلقة مفرغة وتوفير مزيد للوقت للنظام السوري كي يتابع الحرب على شعبه ويهدّم مزيدا من المنازل ويدمّر مزيدا من القرى والبلدات والمدن ويهجّر مزيدا من السوريين الى مناطق داخل سوريا او الى خارجها.
ربّما كان حسن النية الدافع وراء كلام الرئيس المصري الدكتور محمّد مرسي عن ضرورة اشراك ايران في البحث عن حلّ في سوريا، خصوصا ان الرجل يتحسّس عذابات الشعب السوري والمخاطر الناجمة عن اطالة الازمة في هذا البلد العربي المهمّ. ولكن من الواضح ان الرئيس المصري يناقض نفسه. فعندما يلقي مرسي خطابا، اكثر من ايجابي تجاه الشعب السوري وثورته، في قمة دول عدم الانحياز التي انعقدت اواخر الشهر الماضي في طهران ثم يتحدّث اليوم عن حلّ يشارك فيه نظام يعتبر الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري حربه، فانّ اقلّ ما يمكن قوله ان هناك خطأ ما في مكان ما في المنطق الرئاسي المصري. في اساس هذا الخطأ الاعتقاد ان ايران تريد حلّا في سوريا من جهة وانه يمكن التمييز بينها وبين النظام السوري من جهة اخرى.
ان الموقف الذي اتخّذته المملكة العربية السعودية من اجتماع القاهرة مبرر وسليم في الوقت ذاته. قاطعت المملكة الاجتماع الرباعي الذي انعقد على مستوى وزراء الخارجية وضم ممثلين لمصر وتركيا وايران. قاطعت الاجتماع نظرا الى ان لديها موقفا واضحا من الحلّ في سوريا. يقوم هذا الحلّ على ان لا مجال لبقاء نظام يشنّ حربا على شعبه بمشاركة ايرانية واضحة. ولذلك لا حاجة لا الى لجنة رباعية تشارك فيها ايران ولا الى اي لجان من هذا النوع. الحاجة قبل كلّ شيء الى بلورة مشروع واضح يؤدي الى انتقال سلمي للسلطة في سوريا. كلّ ما عدا ذلك اضاعة للوقت وتوفير مجال لمزيد من المجازر لا يمكن ان تؤدي سوى الى تهديد لوحدة الاراضي السورية في المدى الطويل. هل هذا ما تبحث عنه طهران التي تصرّ على ان لا بديل من النظام القائم في سوريا وان سقوطه يشكّل ضربة قوية لها ولاستراتيجيتها الاقليمية، او على الاصح لوهم الدور الاقليمي الذي تعتبر نفسها مؤهلة للعبه؟
لا يمكن للرئيس المصري ان يتخذ موقفا واضحا من ثورة الشعب السوري وان يذهب الى اعتبار النظام السوري quot;غير شرعيquot; وان يتبع خطابه باعلان ايران quot;جزءا من الحلquot;. ايران جزء من المشكلة. بل المشكلة كلّها. لولا الدعم الايراني المباشر للنظام ولولا الفيتو الروسي والصيني والموقف المتذبذب لموسكو وبيجينغ، لكان النظام السوري في خبر كان ولكان الشعب السوري استعاد حريته وكرامته منذ اشهر عدة.
ولكن يظلّ السؤال المحيّر ذلك المتعلّق بالاخوان المسلمين الذين وصلوا الى السلطة في مصر واحتلوا موقع الرئاسة ويريدون حاليا فرض اجندتهم في المنطقة. حسنا، ان تركيا التي تريد تفادي مواجهة مباشرة مع ايران كما تريد مسايرة اخوان مصر، وحتى الدخول في صفقات معهم، لم تكن قادرة على رفض المشاركة في اجتماع القاهرة. اما السعودية التي تدرك تماما ما يدور في سوريا والتي سعت الى اعادة تأهيل النظام، حتى بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في العام 2005، فهي تدرك، بالملموس، ان لا مجال لاضاعة مزيد من الوقت وانه يستحيل الرهان على الفصل بين النظامين السوري والايراني في اي شكل من الاشكال.
كانت السعودية على حقّ في مقاطعة اجتماع القاهرة. الامل الآن في ان يدرك الرئيس مرسي ان التتمة المنطقية للخطاب الذي القاه في قمة دول عدم الانحياز تتمثّل في اتخاذ موقف لا غبار عليه من المحور الايراني- السوري الذي لم يكن لديه اي همّ في ايّ يوم من الايام غير استعباد السوريين واذلالهم والمتاجرة بفلسطين والفلسطينيين ولبنان واللبنانيين فضلا عن اثارة الغرائز المذهبية في العراق والتدخل بشكل مباشر في البحرين.
في غياب الموقف المصري الواضح من المحور الايراني- السوري، يسهل على القاهرة ارتكاب مزيد من الاخطاء في التعاطي مع غزة ومع الارهاب الذي ينتشر في سيناء والذي في اساسه quot;الامارة الاسلاميةquot; التي اقامتها quot;حماسquot; في القطاع بدعم واضح من النظامين الايراني والسوري وادواتهما.
مرّة اخرى، يبدو ان على الاخوان المسلمين في مصر الاختيار بين منطق الثورة ومنطق الدولة. لقد حققوا نجاحا منقطع النظير في الاستيلاء على الثورة التي اطاحت نظام الرئيس حسني مبارك، بل لنقل نظام العسكر القائم منذ العام 1952. عرفوا كيف يستخدمون العسكر وكيف لعب ورقتهم في مواجهة مبارك وعائلته مستغلّين عداءهم للتوريث. الآن، صار الاخوان في السلطة. اصبح لديهم رئيس للجمهورية في اكبر دولة عربية. لا يمكن لمصر ان تكون مع الشعب السوري ومع قتلة هذا الشعب في الوقت ذاته. لا يمكن ان تكون مع quot;الامارة الاسلاميةquot; التي اقامتها quot;حماسquot; في غزة وان تكون في الوقت ذاته مع المصالحة الوطنية الفلسطينية وضدّ الارهاب في سيناء.
بات على مصر ان تختار. هل سلوك الاخوان المسلمين القائم على الشبق الى السلطة، من منطلق ان كلّ الوسائل التي تؤدي الى تحقيق هذا الهدف مبررة، يمنعها من الاختيار؟