لا خلاص للبنان من دون سقوط النظام السوري الحالي وزواله. بنى هذا النظام كلّ استراتيجيته الاقليمية على فكرة ان الانتصار على لبنان بديل من الانتصار على اسرائيل. كان هناك التقاء على هذه النقطة بالذات بين النظام السوري القائم منذ العام 1970 ، وحتى قبل ذلك عندما كان لا يزال الراحل حافظ الاسد وزيرا للدفاع، والحكومات الاسرائيلية المتلاحقة. كان لبنان quot;الساحةquot; التي يلعب فيها الاسرائيلي والنظام السوري. شجّع الجانبان دائما على ان يكون جنوب لبنان خارج سلطة الشرعية اللبنانية.
شجّع النظام السوري باستمرار تهريب السلاح والمسلّحين الى لبنان. استخدم كلّ ما لديه من وسائل ضغط لضرب مؤسسات الدولة اللبنانية. كان مشاركا بشكل مباشر في كلّ الاحداث الدامية التي شهدها الوطن الصغير منذ ما قبل انفراد الاسد بالسلطة. كان مطلوبا في كلّ وقت اثبات ان لبنان دولة لا تستحق الحياة وان كلّ ما يمكن فعله هو وضعه تحت الوصاية. رحّبت اسرائيل دائما بهذه السياسة.
من يبحث عن تاكيد للتواطؤ القائم بين النظام السوري والجانب الاسرائيلي على لبنان يستطيع العودة الى المفاوضات التي سبقت الموافقة الاميركية على دخول القوات السورية الاراضي اللبنانية بشكل رسمي في اطار ما سمّي quot;قوات الردع العربيةquot;. وقتذاك استطاع هنري كيسينجر وزير الخارجية الاميركي الحصول على ضوء اخضر دولي وعربي واسرائيلي للدخول العسكري السوري الى لبنان بحجة ان المطلوب تفادي نزاع اقليمي انطلاقا من الوطن الصغير. في الواقع، كان كيسينجر يريد من القوات السورية quot;وضع اليد على مسلحي منظمة التحرير الفلسطينيةquot; في كلّ الاراضي اللبنانية. لكنّ اسرائيل اعترضت على ذلك وطالبت ببقاء المسلحين الفلسطينيين في جنوب لبنان على ان تتوقف القوات السورية عند نهر الاولي.
هذا ما حصل بعدما وافق الاميركي والسوري ومعظم العرب على quot;الخطوط الحمرquot; الاسرائيلية التي بررتها حكومة اسحق رابين وقتذاك بـquot;الحاجة الى الاشتباك مع الفلسطينيين بين وقت وآخرquot;.
قبل ذلك، مهّد النظام السوري لدخوله لبنان عن طريق الاعتراض منذ العام 1973 على اي محاولة بذلتها السلطات اللبنانية لضبط السلاح الفلسطيني. فهذا السلاح دخل لبنان من سوريا قبل ايّ مكان آخر وذلك منذ العام 1968. وزادت كمياته بعد طرد المسلحين الفلسطينيين من الاردن اثر احداث ايلول- سبتمبر 1970. لم يكتف النظام السوري في مرحلة التمهيد لاجتياحه لبنان بارسال السلاح والمسلحين بل شجّع كلّ ما من شأنه اثارة الغرائز المذهبية والطائفية. بدأ بتشجيع عملية تهجير المسيحيين من القرى القريبة من خط الحدود بين البلدين، خصوصا في الشمال والبقاع حيث حصلت مجازر عدة استهدفت هؤلاء. وشجع في الوقت نفسه على دفع مسيحيي القرى الجنوبية القريبة من خط وقف النار مع اسرائيل على اللجوء اليها او طلب حمايتها بعدما دفع المسلحين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين الموالين له الى مهاجمة القرى والبلدات المسيحية الجنوبية. وكانت هذه القرى والبلدات في معظمها معزولة.
يمكن الاسترسال طويلا في شرح كيف ان النظام السوري ارسل السلاح بطريقة مباشرة او غير مباشرة الى مختلف الميليشيات الحزبية على الارض اللبنانية، بما في ذلك الميليشيات المسيحية، في وقت كان يدفع بالفلسطينيين الى تحدي الدولة اللبنانية. كان هدفه النهائي وضع اليد على لبنان والامساك بالورقة الفلسطينية وذلك بغض النظر عن البؤس الذي يحلّ باللبنانيين والفلسطينيين...
تخلّص النظام السوري من كلّ لبناني حاول اعادته الى جادة الصواب بدءا بكمال جنبلاط في العام 1977 وصولا الى رفيق الحريري في العام 2005. كانت كلّ الجرائم الكبرى في حق اللبنانيين، الشرفاء حقّا، مرتبطة به بطريقة او باخرى، بما في ذلك اغتيال الرئيسين بشير الجميّل ورينيه معوّض والمفتي حسن خالد.
خرج المسلّحون الفلسطينيون من لبنان، فاصر النظام السوريّ على ابقاء قواعد لهم على اراضيه في مناطق لا تبعد كثيرا عن الحدود بين البلدين. وهذا امر لم تعترض عليه اسرائيل يوما.
ترافق الخروج الفلسطيني المسلّح من لبنان في العام 1982 مع الاصرار على بقاء الجنوب اللبناني خارج سلطة الحكومة اللبنانية والقوات الشرعية اللبنانية. بقدرة قادر، صار الجنوب تحت سيطرة حزب مذهبي يمتلك ميليشيا مسلّحة تابعة لـquot;الحرس الثوري الايرانيquot; بل تعتبر جزءا لا يتجزّأ منه.
ما الذي يمكن ان يخسره اللبنانيون من زوال نظام من هذا النوع كان همه محصورا في تدمير بلدهم من جهة واذلال السوريين من جهة اخرى؟ نجح النظام السوري في الغاء الحياة السياسية في سوريا، لكنّ لبنان قاوم ولا يزال يقاوم. لبنان لا يزال يقاوم لانّ معظم اهله يؤمنون بثقافة الحياة بديلا من ثقافة الموت التي يسعى النظام السوري الى فرضها باسم quot;المقاومةquot; احيانا وquot;الممانعةquot; في احيان اخرى. انها مقاومة حتى آخر لبناني وآخر فلسطيني...تصبّ في خدمة ايجاد موطئ قدم لايران على شاطئ المتوسّط.
لا شكّ ان هناك لبنانيين يتحمّلون جزءا من المسؤولية في شأن ما حلّ ببلدهم. كلّ الطوائف مسؤولة بعدما لعبت مداورة الدور المطلوب منها لتغطية جرائم النظام السوري او لتسهيلها كما فعل ولا يزال النائب المسيحي ميشال عون الذي لا يستحق لقبا آخر غير لقب quot;الشبيح الفخريquot;، خصوصا عندما فعل كلّ شيء لتأمين دخول القوات السورية قصر الرئاسة في بعبدا ومقرّ وزارة الدفاع في اليرزة في تشرين الاوّل- اكتوبر 1990.
عاجلا ام آجلا، سيزول النظام السوري، غير مأسوف عليه. ستعود العلاقات طبيعية بين الشعبين السوري واللبناني وبين الدولتين. المهمّ ان لا تسقط سوريا في حرب اهلية يعتبر النظام انها ورقته الاخيرة. ما هو اكثر اهمية من ذلك اقتناع اللبنانيين والسوريين ان دمشق يمكن ان تكون اكثر ازدهارا اذا كانت بيروت مزدهرة... والعكس صحيح ايضا!
- آخر تحديث :
التعليقات