تبدو المعادلة اللبنانية هذه الايام في غاية الوضوح. تقوم هذه المعادلة، في جانب منها على عدم استقالة الحكومة الحالية، التي شكّلها quot;حزب اللهquot; برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة في السنة 2013. يفترض ان يسبق الانتخابات اقرار قانون جديد يجعل من الصعب على قوى الاستقلال المتمسكة بثقافة الحياة والحريات الحصول على اكثرية نيابية على غرار ما حصل في العام 2009.
بكلام اوضح، لن تكون هناك حاجة بعد انتخابات السنة 2013 الى نواب من كتلة تابعة للسيد وليد جنبلاط كي يُنفّذ انقلاب في البلد يكون تكرارا لما حصل في تاريخ لم يمرّ عليه الزمن. وقتذاك، انتقل الزعيم الدرزي وقسم من نوابه من موقع الى آخر مع مجموعة من النواب الآخرين من بينهم السادة نجيب ميقاتي واحمد كرامي ومحمد الصفدي. ولذلك، ليس صدفة التركيز في تشكيل الحكومة الحالية كان على الدوائر التي يمكن انتزاعها من التيار الاستقلالي في لبنان. وقد تمثل ذلك في توزير اكبر عدد من اهل طرابلس وفاشلين مميّزين في الانتخابات من الكورة والبترون ودائرة بيروت الاولى حيث اكثرية مسيحية...
من الناحية العملية، اُجبر وليد جنبلاط في مرحلة معينة على ترك الاكثرية الحقيقية والانصياع الى quot;حزب اللهquot; وما يريده النظام السوري العاجز عن استيعاب ان الدور الاقليمي مجرد وهم وانّ سلاح quot;حزب اللهquot; ليس سوى سلاح ايراني يخدم طموحات معينة يمتلكها نظام يحلم بالهيمنة على العالم العربي من المحيط الى الخليج ومن الخليج الى المحيط لا فارق!
ثمة جانب آخر للمعادلة مكمل للجانب الاوّل يقوم على ضرورة تدمير كل مؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الاخرى. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير الحملة على قوى الامن الداخلي التي لا تزال حصنا منيعا يواجه كلّ المحاولات الهادفة الى اخضاع لبنان والحاقه نهائيا بالمحور الايراني- السوري الساعي الى تحويل لبنان كلّه الى quot;مربع امنيquot; خارج سلطة الدولة اللبنانية.
المؤسف ان جهات تعتبر نفسها مسيحية تلعب دورا مرسوما لها في اطار عملية تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية. بين الادوات المستخدمة النائب ميشال عون الذي يستقوي على اللبنانيين بسلاح ميليشيوي هو سلاح quot;حزب اللهquot; كي يثبت انه موجود على الخريطة السياسية اللبنانية. لا يجرؤ عون على مواجهة الحقيقة المرّة المتمثلة في انه لا يستطيع ان يصل الى مجلس النوّاب من دون اصوات quot;حزب اللهquot;، بما في ذلك تلك التي يوفرّها له في قضاء كسروان، معقل موارنة لبنان...
المؤسف اكثر من ذلك، ان البطريرك الماروني الجديد تحوّل بدوره الى مدافع عن السلاح الميليشيوي المذهبي في لبنان بعدما اكتشف ان على المسيحيين في الشرق الاوسط الاحتماء بالانظمة الديكتاتورية في الشرق الاوسط كي يضمنوا وجودهم. هل يعرف البطريرك ان الهجرة المسيحية من سوريا كانت بعد تولي البعث السلطة في العام 1963 واستمرت على نحو تصاعدي ايام حافظ الاسد وبشار الاسد؟ هل يعرف ان بعث العراق اسس لعملية تهجير المسيحيين وان النظام الحالي الذي يسيطر عليه ملالي طهران، على نحو مباشر وغير مباشر، مستعد للسير الى النهاية في عملية القضاء على الاقليات لاسباب لا تخفى على احد على راسها الاستيلاء على ممتلكاتهم؟ هل يمتلك البطريرك شجاعة الاعتراف بان ميشال عون تسبب في هجرة عشرات آلاف المسيحيين في الاعوام 1988 و1989 و1990 عندما استولى على قصر بعبدا وراح يشن حروبه العبثية، او البعثية، على المسلمين في البداية ثم على المسيحيين تنفيذا للرغبات السورية ولكن بتشجيع من عدوهم اللدود صدّام حسين ودعم منه!
ربما كان البطريرك الحكواتي لا يمتلك وقتا للقراءة. لذلك لن يحاول الاستفادة من توصيات لقاء سيدة الجبل الذي ضمّ مجموعة كبيرة من الشخصيات المسيحية الرافضة لان تكون اداة لدى الادوات، ليس الاّ، والتي تؤمن بثقافة الحياة والحرية والسيادة والاستقلال والربيع العربي الذي اسس له مسيحيو لبنان.
حسنا اذا كان البطريرك المنشغل بالكلام لا يمتلك الوقت للاطلاع على توصيات لقاء سيدة الجبل، لماذا لا يبحث عمّن يقرأ له نص القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الامن صيف العام 2006. لعلّ قراءة نص القرار تجعله يستوعب ان وظيفة سلاح quot;حزب اللهquot; كـquot;مقاومةquot; انتهت وانه لم تعد من وظيفة لهذا السلاح سوى اخضاع لبنان واللبنانيين وتحويل الوطن الصغير مستعمرة ايرانية على البحر المتوسط.
ثمة من سيقول ان نفوذ ايران في لبنان سيضعف مع تدهور الوضع في سوريا. هذا صحيح الى حدّ كبير ولكن يبدو ان النظام في طهران، الذي استثمر مليارات الدولارات في عملية وضع اليد على معظم الطائفة الشيعية الكريمة في لبنان وتحويلها رهينة لديه وشراء الاراضي يفكر بطريقة مختلفة. المفارقة ان طهران تعتقد ان عليها السيطرة على مفاصل الدولة اللبنانية ومؤسساتها بغض النظر عن مصير النظام السوري. تريد الانتقال الى السيطرة المباشرة على كل لبنان من دون المرور بدمشق. وهذا ما يفسّر الى حد كبير تمسكها بالحكومة اللبنانية الحالية، حكومة quot;حزب اللهquot;، بغض النظر عن ايجاد مخرج لتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. في النهاية، ان الحكومة الحالية جسر الى الانتخابات المقبلة التي يفترض ان تنتج اكثرية جديدة مرتبطة بثقافة الموت التي تختبئ خلف شعاري quot;المقاومةquot; وquot;الممانعةquot;.
هل من وعي عربي لهذا الواقع وللتحديات التي تواجه لبنان واللبنانيين؟ الثابت ان اللبنانيين، في معظمهم، يدركون ان بلدهم يمرّ في مرحلة مصيرية وانّ سنة ونصف سنة فقط تفصلهم عن الانقلاب الكبير الذي تستهدف ايران منه وضع يدها على الوطن الصغير بشكل مباشر.
هل ينجح النظام الايراني حيث فشل النظام السوري؟ الاكيد انه سيفشل في ذلك مهما حاول الهاء اللبنانيين بخلافات لا معنى لها بين رئيس الحكومة من جهة وتلك النكتة السمجة التي اسمها quot;الجنرالquot;.
في النهاية، لن يصحّ الا الصحيح. من كان يصدق ان الجيش السوري سيخرج يوما من لبنان وان اهل السنّة سيلعبون دورا محوريا في تحقيق هذا الهدف الوطني؟