بغض النظر عما يقوله الامين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله، يبقى ان الحكومة التي شكلها حزبه برئاسة السيد نجيب ميقاتي موّلت المحكمة الخاصة بلبنان. انّها المحكمة التي يصفها الحزب نفسه بانّها quot;محكمة اسرائيليةquot;. انقذ quot;حزب اللهquot; حكومة quot;حزب اللهquot;. هذا كلّ ما في الامر. فجأة، بقدرة قادر، لم تعد قيمة لما اذا كانت المحكمة اسرائيلية ام ما.
لا حاجة الى بهلوانيات من ايّ نوع كان للتأكد من انه لم يكن امام الحكومة اللبنانية سوى تمويل المحكمة بطريقة او باخرى. حصل ذلك لسبب في غاية البساطة عائد الى ان الرئيس نجيب ميقاتي ليس قادرا على الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي. كان مفترضا بمن فرضه رئيسا لمجلس الوزراء ادراك ذلك منذ البداية. انّه ليس مجرد رجل اعمال لبناني. انه ايضا رجل اعمال عربي ودولي يمتلك مصالح متشعبة تشكّل جزءا لا يتجزّأ من شبكة كبيرة معروف اين تبدأ وليس معروفا اين تنتهي. نجيب ميقاتي ينتمي باختصار شديد الى النادي العالمي لرجال الاعمال الناجحين الذي ينبذ، اقلّه ظاهرا، الخارجين عن القانون الدولي...
الاكيد ان لدى الرجل طموحا الى ان يكون رجل دولة معترفا به داخليا وعربيا واقليميا وعالميا. يمكن ان يحصل ذلك بين حين وآخر. لكنّه لا يمكن، اقلّه الى الان، ان يكون الاعتراف به اكثر من موسمي. رجل الدولة هو رجل دولة في كلّ وقت ولا يمكن ان يكون رجل دولة حسب الفصول والمواسم... الاّ اذا كان يعتبر نفسه رجلا لكلّ المواسم والفصول، بما في ذلك موسم افول نجم النظام السوري بكلّ ما يمثله اقليميا!
في النهاية، ان رجل الدولة الحقيقي هو من يلتزم مواقف معينة لا يحيد عنها بما في ذلك تلك التي مكنته من ان يكون نائبا في العام 2009. ان رجلا مثل نجيب ميقاتي معروف بصدقه قبل ايّ شيء آخر، وربّما بكرمه ايضا، لا يستطيع ان يتنكر للعهود التي قطعها في العام 2009 حتّى لو تذرّع بانه لبّى نداء الواجب الوطني وانّه quot;يعمل على تفادي فتنة طائفيةquot;. اعلن ذلك بغية تبرير الانتقال من تحالف الرابع عشر من آذار الى احضان quot;حزب اللهquot; الايراني الذي هو في قلب ما يسمّى الثامن من آذار، التحالف الذي يشكل امتدادا للحلف الايراني- السوري لا اكثر ولا اقلّ.
الاكيد انه لم يكن سهلا على نجيب ميقاتي الانتقال من موقع الى آخر بهذه السهولة، هو الذي اكّد لسعد الحريري قبل ثمان واربعين ساعة من تغيير رأيه انه لا يمكن ان يقبل بأن يكون رئيسا لمجلس الوزراء في لبنان من دون مباركته. فعل ذلك بعدما وضع يده على ركبة سعد الحريري في quot;بيت الوسطquot; وبعدما طلب منه النظر الى عينيه. ربّما كان على سعد الحريري النظر الى مكان آخر. الى المكان الذي يتحكم بقرار نجيب ميقاتي ويحكمه! ربّما حالت طيبة القلب التي يمتع بها سعد الدين رفيق الحريري دون تطلعه الى المكان الآخر الذي كان مفترضا به التطلع اليه امس واليوم وغدا وبعد غد...
المهمّ الآن ان في الامكان القول بكلّ راحة ضمير ان لدى النظام السوري قرارا واضحا يتمثّل في الابقاء على الحكومة اللبنانية الحالية. لا غنى للنظام السوري المدعوم من ايران عن هذه الحكومة. لذلك تراجع quot;حزب اللهquot; الايراني عن كل مواقفه من المحكمة التي موّلها الشعب اللبناني ولا احد غير الشعب اللبناني المتمسك يثقافة الحياة اوّلا. استدار quot;حزب اللهquot; على نفسه وبلع كلّ الكلام الذي صدر عنه في شأن كلّ ما يخص تمويل quot;المحكمة الاسرائيليةquot;. كلّ كلام آخر عن رفضه المحكمة الدولية صار كلاما بكلام.
امّا النائب المسيحي ميشال عون، الذي دعا غير مرّة نجيب ميقاتي الى تمويل المحكمة من جيبه الخاص، مثبتا انه لا يعرف شيئا عن ميقاتي، لا عن ذكائه ولا عن طريقة تعاطيه مع الآخرين عندما يتعلّق الامر بالمال. اضطر عون الى بلع لسانه وتغيّير لونه. مثل هذا التغيير في اللون امر عادي بالنسبة الى تلك النكتة السمجة التي اسمها quot;الجنرالquot;. اثبت ميشال عون مرّة اخرى انّه لا يصلح لان يكون سوى اداة عند الادوات. كلّ ما عدا ذلك كلام لا معنى له عن قائد سابق للجيش اللبناني يستطيع تبرير اغتيال ميليشيا مسلحة تابعة لحزب مذهبي لطيار في الجيش اللبناني اسمه سامر حنا. هل يستطيع ميشال عون والحثالات التابعة له توجيه اتهام آخر لسامر حنا غير انه ضابط لبناني حلّق بطائرة هليكوبتر تابعة للجيش اللبناني فوق الاراضي اللبنانية؟
من حسنات الرئيس نجيب ميقاتي انّه كشف quot;حزب اللهquot; واداته المسيحية. لم يكشف المستور. كشف للبنانيين ما يعرفه كثيرون عن ان قرار quot;حزب اللهquot; ايراني قبل اي شيء آخر وان ميشال عون ليس سوى تابع من توابع الحزب لا اكثر. كان نجيب ميقاتي صادقا مع نفسه هذه المرّة. كان يعرف حدوده تماما. كان يعرف ان في استطاعته الاعلان عن تمويل المحكمة من جيب المواطن اللبناني نظرا الى ان النظام السوري ليس في وضع يسمح له بالاستغناء عن حكومته. ليته ادرك اهميته، من زاوية موقعه السنّي، لدى تكليفه تشكيل الحكومة... وليس في هذه الايام البائسة.
ولكن من قال ان نجيب ميقاتي لا يحسن المناورة وتحيّن الفرص، بما في ذلك فرصة التوهم ان اهل السنّة، في طرابلس خصوصا ولبنان عموما، ومعهم الاكثرية المسيحية والدرزية وقسم لا باس به من الشيعة المتمسّكين بثقافة الحياة سيصدقون انه صار مع المطالبين بالحرية والسيادة والاستقلال... والعدالة، نعم العدالة؟
انّها العدالة التي ستأتي بقتلة رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميّل وانطوان غانم ووسام عيد وفرنسوا الحاج وعشرات آخرين، بما في ذلك الشهداء الاحياء مروان حماده والياس المرّ ومي شدياق، الى امام المحكمة.
من قال ايضا ان نجيب ميقاتي لن يكون عند حسن ظن اللبنانيين الذين يرون فيه رجل اعمال ناجحا يطمح الى ان يكون رجل دولة حقيقيا لا يرتبط اسمه بالمواسم او بهذا المحور الاقليمي او ذاك. قد ينجح في ذلك يوما ولكن ليس عبر حكومته الحالية... حكومة quot;حزب اللهquot;.