هل تغيّر شيء بعد تدمير القوات السورية التابعة للنظام حي بابا عمرو في حمص؟ هل يمكن للنظام السوري، او اي نظام آخر، الاستفادة بشيء من تحقيق انتصار على الشعب؟ هل معركة النظام السوري مع شعبه ام ان كلّ ما في الامر انّ على اي نظام ان يكون في خدمة الشعب وان يبحث لنفسه عن مخرج عندما يصبح مرفوضا من الاكثرية الساحقة من المواطنين؟
يبدو ان النظام السوري عاجز عن استيعاب انه انتهى الى غير رجعة وان الخدمة الوحيدة التي يستطيع تقديمها الى سوريا والسوريين تتلخص في البحث عن مخرج يسلّم بموجبه الرئيس بشّار الاسد السلطة الى مجموعة من العقلاء تتولى الاشراف على مرحلة انتقالية. يفترض في المرحلة الانتقالية التمهّيد لعودة سوريا الى السوريين بدل بقائها مستعمرة ايرانية... وتحوّلها دولة ذات مؤسسات ديموقراطية، دولة يحترم فيها القانون اوّلا.
مثل هذا السيناريو الذي يجنب سوريا حربا اهلية تلوح في الافق لا يمكن الا ان ان تنعكس ايجابا على لبنان واللبنانيين خصوصا، نظرا الى ان النظام السوري لم يجد لنفسه مهمة منذ ما يزيد على اربعة عقود سوى زرع الفتن الطائفية والمذهبية في البلد الجار. وبعدما صار عاجزا عن ذلك اثر الانسحاب العسكري للقوات السورية من الاراضي اللبنانية في نيسان- ابريل 2005، لجأ الى استخدام الميليشيا المسلحة الايرانية المسمّاة quot;حزب اللهquot; لتهديد اللبنانيين ووفرض حكومة معيّنة عليهم، حكومة مصنوعة من اجل تفادي قول كلمة حق في وجه الظلم الذي يتعرّض له الشعب السوري يوميا.
ليس ما يشير الى ان شيئا ما تغيّر في سوريا بعد تدمير حي بابا عمرو نظرا الى ان الثورة الشعبية فيها لم تتوقف. على العكس من ذلك زادت اتساعا في كلّ الاتجاهات وهي تقترب اكثر فاكثر من قلب كلّ من دمشق وحلب اكبر مدينتين في البلد.
الواضح، اقلّه الى الان، ان ليس في استطاعة الشعب السوري سوى الاتكال على نفسه، وذلك في غياب اي رغبة عربية واقليمية ودولية في الذهاب بعيدا في دعم الثورة الحقيقية التي يشهدها البلد في وجه نظام لا همّ له سوى ممارسة السلطة واستعباد الشعب والتنكيل به. ما سرّ هذا الانتظار الاقليمي والدولي على الرغم من ضرورة الاعتراف بانّ العرب قدّموا الغطاء المطلوب لتوفير نوع من الحماية للسوريين وتجنيبهم مزيدا من المآسي والويلات؟ اين صار الكلام عن quot;ممرّات انسانيةquot;؟ اين ذهبت تلك الحماسة التركية للتخلص من النظام او مساعدة المدنيين السوريين وتوفير حدّ ادنى من الحماية لهم؟
لا شكّ ان هناك مسؤولية كبيرة تقع على كلّ من النظام الايراني وروسيا والصين. لعبت الاطراف الثلاثة بدرجات متفاوتة دورا في توفير رخصة تسمح للنظام السوري بممارسة هوايته المفضلة وهي القتل. ولكن ما لا بدّ من الاعتراف به في الوقت ذاته ان السياسة الاميركية المتذبذبة لم تساعد في تجاوز المواقف المساندة للظلم المتخذة في طهران وموسكو وبيجينغ. ماذا تريد الادارة الاميركية بالفعل ولماذا لم تقدم على خطوة شجاعة في اتجاه التخلص سريعا من النظام بما يكفل المحافظة على وحدة الاراضي السورية وتفادي الحرب الاهلية؟
قد يكون الجواب عن هذا السؤال انّ هناك رهانا لدى اوساط كثيرة في واشنطن على انهاك سوريا عبر حرب الاستنزاف الدائرة بين الشعب والنظام. مثل هذا الاستنزاف، الذي قد لا تكون اسرائيل بعيدة عنه يساهم في تفتيت سوريا الموحدة وتشريع الابواب امام حرب، او على الاصحّ حروب داخلية، لن تنتهي الاّ بقيام دويلات سورية.
ثمة من يعتقد ان تركيز النظام على حمص، بصفة كونها عقدة المواصلات والتواصل بين المحافظات وبين الداخل والساحل والشمال، حاجزا يحول دون التقسيم، ليس بريئا. بكلام اوضح، انّ بقاء الوضع في حمص والمنطقة المحيطة بها على حاله، اي بقاء التركيبة السكّانية للمدينة ذات الاكثرية السنّية ومحيطها كما هي، يقطع الطريق على احتمال قيام دولة ذات طابع مذهبي معيّن على طول الساحل السوري.
من يريد الخلاص بالفعل لسوريا يعمل من اجل المرحلة الانتقالية، التي تبدأ برحيل النظام الحالي، بديلا من حرب الاستنزاف. كلّ السيناريوهات الاخرى تصبّ في مستقبل مخيف للمنطقة كلّها وليس لسوريا وحدها. فحرب الاستنزاف ستطرح مجددا ازمة الكيان السوري المستمرة منذ الاستقلال منتصف الاربعينات من القرن الماضي. مثل هذه الازمة العميقة التي لا يمكن التغلب عليها الاّ عن طريق الديموقراطية جعلت النظام السوري في السنوات الخمس والاربعين الماضية في حال هروب مستمرة الى امام توّجّت بالسعي الى فرض الوصاية على لبنان. سقط هذا المشروع السوري في لبنان يوم خروج الجيش السوري منه اثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.
مع الخروج العسكري من لبنان بدأ العدّ العكسي لسقوط النظام. في السنة 2012، لم يعد السؤال هل يبقى النظام ام لا؟ السؤال هل تبقى سوريا التي عرفناها ام لا؟ لا شيء يساعد في تفادي الحرب الاهلية والتفتت سوى المرحلة الانتقالية اليوم قبل غد. هل من نية للاعداد فعلا للمرحلة الانتقالية...ام هناك اعداد لحرب استنزاف كلّ ما يمكن ان تؤدي اليه هو الى اعادة نظر في الكيان في سياق اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط.
يبدو ان من قال ان الزلزال العراقي الذي حصل في العام 2003 لا يزال في بدايته على حق اكثر من اي وقت.