كان انزعاج الامين العام لـquot;حزب اللهquot; من الرسالة الموجهة من quot;المجلس الوطني السوريquot; المعارض الى quot;حركة الرابع عشرquot; من آذار مبررا.
تولى الدكتور فارس سعيد منسّق الامانة العامة لحركة تلاوة الرسالة في المهرجان الذي اقيم في بيروت قبل ايام في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.
قد يعود انزعاج السيّد حسن نصرالله من الرسالة الى انه للمرّة الاولى هناك فريق فاعل في سوريا يؤمن بعلاقة قائمة على مبدأ المساواة والندّية بين البلدين الجارين والشعبين الشقيقين وذلك في ما يصب في المصلحة المشتركة بين اللبنانيين والسوريين. هل مطلوب ان يصرّ النظام السوري على معاملة لبنان كتابع ذليل كي يستحق هذا النظام، او اي نظام يخلفه، ثناء quot;حزب اللهquot;؟
تكمن مشكلة quot;حزب اللهquot; في انه يعتقد ان في استطاعته اعادة عقارب الساعة الى خلف. يرفض بكل بساطة الاعتراف بالواقع المتمثّل في ان الجيش السوري خرج من لبنان في الخامس والعشرين من نيسان- ابريل 2005 نتيجة اغتيال رفيق الحريري. نعم اخرج اللبنانيون الجيش السوري من لبنان عن طريق تظاهرات سلمية توّجت بتظاهرة الرابع عشر من مارس- آذار التي شارك فيها اللبنانيون الاحرار من سنة وشيعة ودروز ومسيحيين.
باءت كلّ المحاولات المبذولة لاعادة امساك النظام السوري بالقرار اللبناني بالفشل وذلك على الرغم من كلّ المحاولات التي بذلتها ايران عن طريق ادواتها وادوات الادوات لتأمين ذلك.
فشلت كلّ المحاولات الآيلة الى اعادة الوصاية السورية على الرغم من معاناة اللبنانيين من السلاح الايراني الموجود على ارضهم، هذا السلاح الذي بلغت به الوقاحة حدّ اذلال اهل بيروت والجبل في احداث السابع والثامن والتاسع من ايار- مايو 2008. فشلت كلّ الجرائم التي تلت جريمة اغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما في ترهيب اللبنانيين. لا يزال صوت سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميّل وانطوان غانم يدوي. لا تزال اصوات الشهداء الاحياء مروان حماده والياس المرّ ومي شدياق تسمّي الاشياء باسمائها.
هناك الآن واقع جديد في سوريا ولبنان. لن تغيّر من هذا الواقع الحكومة التي شكلّها quot;حزب اللهquot; برئاسة نجيب ميقاتي. تشكّل الرسالة التي وجهها quot;المجلس الوطني السوريquot;، وهي تتمة لبيان تاريخي صدر قبل اسابع قليلة عن المجلس، تعبيرا عن هذا الواقع الجديد. فمعاناة لبنان كانت جزءا من معاناة شعب سوريا من نظام اقتصر همّه في السنوات الخمس والاربعين الماضية على اغراق لبنان بالسلاح والمسلّحين واثارة الفتن الطائفية والمذهبية في ارجاء الوطن الصغير. حصل ذلك منذ تولّي الرئيس الراحل حافظ الاسد وزارة الدفاع في سوريا قبل حرب العام 1967 التي انتهت باحتلال اسرائيل للجولان. هناك اصرار لدى النظام السوري على تفكيك لبنان بصفة كونه صيغة quot;هشةquot; تحتاج باستمرار الى رعاية الاخ الاكبر.
لم يستوعب النظام السوري يوما انه يعاني من ازمة عميقة هي ازمة نظام وكيان في الوقت ذاته وان الصيغة اللبنانية اقوى بكثير من الصيغة السورية. لو لم يكن الامر كذلك، لما استطاع لبنان الصمود في وجه ما تعرّض له منذ بدأ السلاح السوري يتدفق على اراضيه بحجة دعم المقاومة الفلسطينية في مرحلة معينة ثم دعم quot;حزب اللهquot; في مرحلة لاحقة لا تزال قائمة الى يومنا هذا.
تدرك المعارضة السورية ان عليها اتخاذ موقف تاريخي من لبنان. من لا يدعم رسالتها الاخيرة في ذكرى اغتيال رفيق الحريري لا يريد اخذ العلم بانّ اللبنانيين متمسكون بثقافة الحياة وليس بثقافة الموت التي يصدرها المحور الايراني- السوري وادواته وادوات الادوات مثل ذلك النائب المسيحي ميشال عون الذي لا همّ له سوى نهش جسد مؤسسات الدولة اللبنانية وتهجير اكبر عدد من المسيحيين من لبنان...
ان الموقف الاخير للمعارضة السورية من لبنان ومن مستقبل العلاقة بين البلدين ظاهرة صحّية وموقف مشرّف. انه وعي سوري في العمق لاخطار التمسك باوهام الدور الاقليمي الذي نقل سوريا الى الحاضنة الايرانية بعدما كانت تعتبر نفسها quot;قلب العروبة النابضquot;.
في النهاية لا يمكن كسر الحلقة المقفلة التي تدور فيها سوريا منذ الاستقلال الاّ عبر الاقدام على تغيير شامل في كلّ المجالات. لا يقتصر هذا التغيير على اقامة نظام ديموقراطي، بل يشمل ايضا التعاطي مع الدول المحيطة بالكيان السوري على راسها لبنان والاردن والعراق وتركيا بطريقة جذرية. مثل هذا التعاطي هو وحده الكفيل باعطاء بعد حضاري للثورة السورية التي اكد اللبنانيون وقوفهم الى جانبها من زاوية حرصهم على لبنان اوّلا وعلى اقامة علاقات من نوع مختلف مع الشعب السوري.
هل مطلوب ان يبقى لبنان quot;ساحةquot; للمحور الايراني- السوري وان لا يطرح موضوع سلاح مذهبي على طاولة الحوار بين اللبنانيين كي يتوقف quot;حزب اللهquot; عن اضطهاد من يفترض ان يكونوا شركاءه في الوطن وليس مجرد ورقة يتاجر بها النظامان المقيمان في دمشق وطهران؟
هل يجب ان يطعن اللبنانيون الشعب السوري في الظهر كي يستأهلوا شهادات في quot;المقاومةquot; وquot;الممانعةquot; في وجه اسرائيل؟