الاكيد ان الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في quot;الحرس الثوريquot; الايراني لم يكشف سرّا عسكريا. قال ما يفترض بايّ قائد عسكري او سياسي جريء قوله. قال الحقيقة من دون مواربة. قال ان ايران تسيطر على العراق وعلى جنوب لبنان كما انها تهدد الاردن وتعمل من اجل السيطرة عليها. اعتبر العراق ولبنان مستعمرتين ايرانيتين وان الجهود مستمرة كي تكون الاردن في الوضع نفسه مستقبلا.
هذا واقع لا مفرّ من العرب التعاطي معه. وما ينطبق على العرب عموما في ما يخص هذا الوضع، ينطبق الى حدّ كبير على الولايات المتحدة والدول الاوروبية التي يبدو ان ليس لديها ما تفعله سوى السعي الى تشديد العقوبات الاقتصادية على ايران. تفعل ذلك في انتظار ان يفهم النظام في ايران ان العالم لا يمكن ان يقبل بقوة اقليمية مهيمنة في الشرق الاوسط وانّ على كلّ دولة، مهما بلغت رغباتها في الهرب من ازماتها الى خارج حدودها، استيعاب ان ثمة حدودا ليس في استطاعتها تجاوزها.
في انتظار ان يستوعب النظام الايراني الحدود، التي لا يستطيع ولن يستطيع تجاوزها يوما، لا مفرّ من الاعتراف بانه يسيطر على لبنان والعراق ويعمل من اجل اثارة الاضطرابات في المملكة الاردنية الهاشمية وفي بلدان اخرى لا حاجة الى تسميتها كلها، اذ يمكن الاكتفاء بالبحرين واليمن.
ما قد يكون اهمّ من ذلك كله، ان الجنرال سليماني يتصرّف من منطلق ان سوريا باتت في الجيب الايرانية. بالنسبة اليه، لا وجود لمشاكل لدى النظام السوري الذي يقف quot;كلّهquot; مع النظام. يناقض قائد فيلق القدس نفسه بعد ذلك عندما يعترف بوجود اضطرابات في سوريا، لكنّ المعارضة quot;لم تستطع تنظيم تظاهرة مليونية واحدةquot;. يتجاهل عن قصد ان الشعب السوري يقاوم منذ ما يزيد على عشرة اشهر احدى اعتى الديكتاتوريات في الشرق الاوسط وانه قدّم آلاف الشهداء في مواجهة آلة القتل التي يمتلكها النظام. يتجاهل ان الموضوع في سوريا ليس موضوع تنظيم تظاهرة مليونية بمقدار ما انه موضوع شعب ثائر قرر استعادة كرامته وحقه في حياة حرّة لا اكثر ولا اقلّ.
عاجلا ام آجلا، ستفلت سوريا من القبضة الايرانية. اما بالنسبة الى العراق ولبنان، فانّ الوضع مختلف الى حد كبير. قدّمت الولايات المتحدة العراق على طبق من فضّة الى ايران. كان معروفا، في اللحظة التي قررت فيها ادارة بوش الابن اسقاط النظام العائلي- البعثي في العراق، ان ايران ستكون الرابح الاول في الحرب الاميركية التي كانت شريكا فاعلا فيها. يفترض ان يكون هناك مسؤول ايراني يمتلك ما يكفي من الشجاعة للمطالبة باقامة تمثال ضخم لجورج بوش الابن في طهران!
بدأت الشراكة الاميركية- الايرانية لحظة الاتفاق على عقد اجتماعات للمعارضة العراقية باشراف اميركي مباشر ودعم ايراني. كان الشرط الاول للاحزاب الشيعية المدعومة من ايران بشكل كلّي ان يتضمن اي بيان يصدر عن المعارضة عبارة quot;الاكثرية الشيعية في العراقquot;. من لديه ادنى شك في ذلك، يستطيع العودة الى نص البيان الصادر عن مؤتمر لندن الذي انعقد في كانون الاول- ديسمبر 2002...اي قبل اربعة اشهر من بدء العمليات العسكرية.
من الطبيعي ان يؤكد الجنرال سليماني، الحاكم الفعلي للعراق، ان في استطاعة طهران تشكيل الحكومة العراقية التي تريدها. فقد حصل ذلك بالفعل مع حكومة السيد نوري المالكي التي تشكّلت اواخر السنة 2010. لولا ايران وما تملكه من نفوذ في العراق، لما استطاع المالكي تشكيل الحكومة بعدما عجزت قائمته عن الحلول في المركز الاوّل في انتخابات السابع من آذار- مارس 2010. ليس سرّا ان ايران تتحكم بالعراق وبكل مفاصل السلطة فيه، خصوصا بعد الانسحاب العسكري الاميركي الذي نفّذ اواخر العام الماضي بسهولة ليس بعدها سهولة من دون سقوط جريح واحد!
على الرغم من ذلك، وجد بعض العراقيين من الذين يحتلون مواقع في السلطة ان عليهم الاعتراض على كلام سليماني ولو من باب العتب. اما في لبنان، فقد بدا الامر اكثر من عادي، خصوصا ان الحكومة القائمة هي حكومة quot;حزب اللهquot; الذي يعتبر بدوره لواء في quot;الحرس الثوري الايرانيquot;. حتى النائب ميشال عون الذي لديه معظم الاعضاء المسيحيين في الحكومة، فهو في نهاية المطاف مجرد اداة لدى الحزب الايراني. يستخدم عون احيانا لابتزاز رئيس مجلس الوزراء وفي احيان اخرى لتلميع صورته متى دعت الحاجة الى اظهاره في مظهر القادر على الدفاع عن الطائفة السنّية ومصالحها...
كان اكثر من طبيعي الا ينبس اي مسؤول لبناني كبير ببنت شفة نظرا الى ان الطفل بات يعرف ان القرار القاضي باسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري اتخذ في طهران وليس في اي مكان آخر. كذلك الامر بالنسبة الى الضغط على الزعيم الدرزي السيد وليد جنبلاط للانتقال الى الصف الآخر بعدما اكتشف ان الدروز اصبحوا مهددين. تصرّف جنبلاط كزعيم قبيلة مطلوب منه المحافظة عليها في وجه حزب مذهبي مسلح قادر على اجتياح القرى الدرزية وتهجير اهلها المسالمين في غضون ايام قليلة.
ليس في امكان اي مسؤول لبناني كبير الرد على قائد فيلق القدس. هناك حاجة الى رجال في هذه الايّام. قد لا تكون حاجة الى مثل هذا الرد. من سيرد عليه في المستقبل القريب هو الوضع السوري. سيتبين ان سوريا quot;قلب العروبة النابضquot; فعلا ولا يمكن ان تكون تابعا لايران. اما العراق، فانّ الاوضاع فيه لا يمكن ان تبقى على هذه الحال طويلا. لماذا؟ لسبب في غاية البساطة عائد الى انه ليس مسموحا ان تضع ايران يدها على نفطه. في حال حصول ذلك، لن يعود امام الولايات المتحدة سوى الاستسلام للقوة العظمى الجديدة في العالم القادرة على اخضاع الخليج العربي كله من دون اللجوء الى اطلاق رصاصة واحدة. هل طبيعي ان يحصل ذلك؟
يبقى لبنان. لبنان لا يزال يقاوم الغطرسة الايرانية والاستكبار والغرائز المذهبية التي يثيرها سلاح quot;حزب اللهquot; وتصريحات من نوع تلك التي اطلقها الجنرال سليماني. ولكن من كان يصدّق ان الجيش السوري سيخرج من الوطن الصغير بعد ثلاثين عاما من الوصاية التي وصلت الى حدّ التدخل في السيطرة على المرافئ والموانئ وتعيين مختار او ناطور في هذه القرية او تلك. ليس بعيدا اليوم الذي سيكتشف فيه المسؤولون الايرانيون ان ثمة حدودا للدهاء وانّ ليس في استطاعة اي دولة في المنطقة ان تلعب دورا اكبر من حجمها او خارج الاطار المرسوم لها...