قليلون يستطيعون التفوق على اللبناني في النجاح، وذلك عندما يكون الامر متعلّقا بالجهد الفردي للانسان. قليلون ايضا يستطيعون التفوق على اللبناني في الفشل عندما يتعلّق الامر ببناء دولة والمحافظة عليها ومدّ الجسور مع العالم المتحضّر بدل نسفها.
لعلّ افضل ما يجسّد الفشل اللبناني هذه الايّام تلك الرغبة في معاداة العرب عموما، واهل الخليج على وجه التحديد، تمارسها حكومة quot;حزب اللهquot; برئاسة نجيب ميقاتي ابن طرابلس السنّي الذي لم يستطع حتى تشكيل حكومة تشبهه ولو من بعيد.
كيف يمكن للبنان ان يكون معاديا للعرب ولاهل الخليج وحتى لتركيا، التي هي قصة النجاح الوحيدة في المنطقة المشرقية المطلة على البحر المتوسط؟ هل كان ذلك ممكنا لو لم يكن هناك من يريد فرض ارادته على الوطن الصغير والحاقه بالمحور الايراني- السوري والمتاجرة به وبشعبه؟
المؤسف ان ذلك يحصل بموافقة الحكومة اللبنانية التي يعرف رئيسها، قبل غيره، ان المنطقة تغيّرت وانّ لا مستقبل للنظام السوري وانّ كلّ ما يستطيعه هذا النظام هو التنفيس عن حقده على لبنان واللبنانيين، واهل السنّة والمسيحيين والدروز خصوصا. يفعل ذلك عن طريق التهديدات المباشرة وارسال الاسلحة والمتفجرات وتصدير كلّ انواع الفتن الى البلد الجار لعلّ ذلك يمكن ان يساعده في تجاوز ازمته العميقة التي لن تنتهي، للاسف الشديد، الا بانفجار سوريا من داخل وتفتتها وتشرذمها.
ما ذنب اللبنانيين اذا كانت سوريا تعاني منذ نشأت من ازمة نظام وكيان في الوقت ذاته؟ ادت هذه الازمة الى القضاء على كلّ ما هو حضاري في البلد وهجرة العقول النيّرة منه وهبوط مستوى التعليم وانتشار التطرف الديني والنمو العشوائي للسكان وللمدن، خصوصا في عهد الرئيس الحالي بشّار الاسد؟ لم يدرك بشّار الاسد منذ خلف والده انه لا يستطيع حلّ مشاكل سوريا عن طريق الهروب المستمر الى امام والغاء الاخر. لم يستوعب ان التخلص من رفيق الحريري ووارتكاب سلسلة من الجرائم في الاراضي اللبنانية لن ينقذا نظامه. كلّ ما في الامر ان ذلك جعله، اكثر من ايّ وقت، تحت رحمة ميليشيا مذهبية تابعة لايران موجودة في لبنان تحت اسم quot;حزب اللهquot;. كلّ ما يستطيع بشّار الاسد واهل النظام عمله حاليا هو ايجاد مخرج ينتهي بهم في روسيا او ايران قبل فوات الاوان.
استخدم النظام السوري لبنان من اجل التنفيس عن ازمته. انه يفعل ذلك منذ سنوات طويلة، لكن بشّار الاسد تفوق على والده في ارتكاب الاخطاء، خصوصا في لبنان. هذا عائد الى سبب بسيط. انه لا يعرف بالسياسة ولا يعرف شيئا عن التوازنات الاقليمية والدولية.
هل يعتقد الاسد الابن حاليا ان تصفية حساباته مع اهل الخليج في لبنان سيفيده في شيء؟ هل يظنّ ان تفجير الوضع في مدينة طرابلس الشمالية سيؤثر في الوضع الداخلي السوري، ام ان ذلك سيزيد من عداء اهل المدينة والمنطقة للعلويين المقيمين في احد احياء المدينة (بعل محسن)؟
يفترض ان يكون في لبنان رجال دولة من اهل السنّة وغير السنّة يدينون، علنا من دون مواربة من اي نوع، كل عمل من الاعمال التي يقدم عليها النظام السوري في لبنان بدعم من ايران وتشجيع منها. هناك سياسيون لبنانيون، مثل النائب المسيحي ميشال عون، يعجزون عن ذلك نظرا الى انهم ادوات لدى الادوات الايرانية والسورية لا اكثر. ولكن هل مسموح لرئيس مجلس الوزراء السنّي ان يلتزم الصمت حيال التهديدات الموجهة الى الخليجيين في لبنان؟ هل مسموح ان يلتزم ممثل اهل السنّة في السلطة الصمت بعد التعرض بالخطف لمواطنين تركيين ومواطن كويتي والاساءة قبل ذلك الى مواطن قطري؟
لم يقدم اهل الخليج سوى الخير الى لبنان واللبنانيين. هناك عشرات آلاف اللبنانيين في دول الخليج العربي يعملون من دون قيود ويرسلون الاموال الى اهلهم في لبنان. من المستغرب ان لا يخرج من الحكومة اللبنانية رجل دولة يضع النقاط على الحروف مؤكدا ان مصلحة لبنان واللبنانيين تكمن في الانتماء الى محيطه العربي وليس في ان يكون ورقة ايرانية- سورية تستخدم في التوصل الى صفقات مع quot;الشيطان الاكبرquot; الاميركي او quot;الشيطان الاصغرquot; الاسرائيليquot; على حساب كلّ ما هو عربي في المنطقة.
يحتاج لبنان في هذه المرحلة الى رجال يعرفون ان كلّ ما له علاقة بالتطرف يأتي من النظام السوري. من اين دخل السلاح الى لبنان ومن اين لا يزال يدخل اليه منذ منتصف الستينات من القرن الماضي؟ من سلّح الفلسطينيين وجعلهم في مواجهة مع المسيحيين، ثمّ مع كلّ اللبنانيين؟ من نشر ثقافة الخطف غير النظام السوري؟ من زرع الفتنة بين السنّة والعلويين في طرابلس غير النظام السوري؟ من ارتكب المجازر في حق المسيحيين في لبنان غير النظام السوري؟ هل هناك من يريد تذكّر مجزرة الدامور او مجزرة القاع او العيشية...او ما كانت تتعرض له بلدات عكّار المسيحية، على راسها القبيات ابان الوصاية السورية؟
المضحك - المبكي هذه الايام ان المنتمين الى التيار العوني، الذي يعمل من على رأسه مياوما لدى quot;حزب اللهquot;، يدّعون، عن جهل طبعا، ان هناك مشكلة مع السلفيين واهل السنّة في لبنان لتبرير وقوفهم مع النظام السوري.
نسي هؤلاء من وراء احداث مخيّم نهر البارد ربيع العام 2007 وصيفه؟ نسي هؤلاء ان السلفيين لا علاقة لهم باهل السنّة في لبنان، بل هم جزء لا يتجزّأ من الاجهزة السورية التي سيطرت بواسطتهم على المخيّم الفلسطيني وكان هدفها الاوّل والاخير قتل اكبر عدد من جنود الجيش اللبناني وضباطه. الم يأت شاكر العبسي الى المخيّم من السجون السورية مباشرة كي يخوض معركة quot;فتح الاسلامquot; مع المؤسسة الوطنية اللبنانية التي اسمها الجيش؟
مرة اخرى، لبنان في حاجة الى رجال دولة يقولون بالفم الملآن ان قصة نجاح اللبناني ليست قصة فردية وان اهل السنّة معنيون بنجاح لبنان وبالمحافظة على علاقاته باهل الخليج وليس بنسفها ارضاء للنظامين السوري والايراني...هل من يتجّرأ على ذلك ويسير على خطى السنّة الكبار الذين ساهموا في صنع مجد لبنان؟ ام انها مرحلة غياب الصوت السنّي في الحكومة اللبنانية؟