هناك فيلم تافه ليس معروفا تماما من يقف خلفه يسيء الى الاسلام والمسلمين والنبيّ محمّد (صلعم). الاكيد ان الديانة الاسلامية، وهي ديانة عظيمة لا يهزّها في شيء فيلم من هذا النوع. الفيلم يعكس جهل وجهالة لدى الذين صنعوه وموّلوه اكثر من ايّ شيء آخر. اما الرسول فهو فوق افلام من هذا النوع لا هدف لها سوى استغلال الازمة التي يمرّ فيها العالم العربي وبعض الدول الاسلامية وهي ازمة مرتبطة بمجتمعات تحتاج بين حين وآخر الى الهرب من مشكلتها الحقيقية وهي مشكلة البرامج التربوية اوّلا واخيرا.
ماذا يتعلّم العرب عموما وبعض المسلمين في هذا الايّام؟ ذلك هو السؤال الكبير. متى نظرنا الى البرامج التربوية نكتشف لماذا كانت ردود الفعل المضحكة- المبكية التي جعلت من فيلم لا قيمة له بايّ مقياس من المقاييس قضية. ما علاقة الادارة الاميركية بالفيلم؟ لماذا الهجمات على السفارات الاميركية في القاهرة وتونس والخرطوم وصنعاء والقنصلية الاميركية في بنغازي؟ لماذا الدعوات الى التظاهر في بيروت ومدن لبنانية اخرى؟ هل من هدف آخر غير الاساءة الى صورة لبنان وتعطيل الحياة الاقتصادية فيه واظهاره في مظهر البلد المتخلّف الذي يتحكّم بمصيره حزب تابع لايران؟
لماذا احراق محلّ في طرابلس شمال لبنان، تابع بالاسم فقط، لشركة اميركية مختصة في مطاعم الدجاج، علما ان المتضرر الاوّل من الحريق هم العمال اللبنانيون الذين يكسبون رزقهم من الخدمة في هذا المطعم؟ لماذا قتل السفير الاميركي في ليبيا مع ثلاثة اميركيين آخرين؟ اهكذا يكافئ الليبيون الاميركيين على دعم ثورتهم التي اطاحت نظام العقيد معمّر القذّافي الذي تحكّم بمصير البلد طوال اثنين واربعين عاما؟ لماذا كلّ هذه التظاهرات في فلسطين، فيما المطلوب اوّلا واخيرا دعم اميركي يسمح للشعب الفلسطيني بمواجهة ازمته الاقتصادية من جهة وممارسة ضغط على حكومة بنامين نتانياهو من جهة اخرى؟ لماذا كلّ هذا العنف الذي لا تفسير له؟
الاسئلة كثيرة. امّا الجواب فهو واحد. لا وجود لبرامج تربوية في معظم العالم العربي تجعل من الانسان قادرا على التفكير بطريقة علمية والوصول الى قناعة فحواها ان الاسلام والنبيّ اعظم بكثير من افلام من هذا النوع توفّر لها، للاسف الشديد، ردود الفعل المشينة في بعض العواصم والمدن العربية والاسلامية الدعاية التي تحتاجها.
يكفي الاستماع الى بعض الذين هاجموا السفارة الاميركية في القاهرة للتأكّد عمق المشكلة التي يعاني منها المجتمع المصري. ليس لدى هؤلاء اي فهم للنظام القائم في الولايات المتحدة. انه نظام لا يسمح للادارة بالتدخل من اجل ايقاف افلام من هذا النوع. اكثر من ذلك، من المشكوك فيه ان تجد مثل هذه الافلام اي رواج. صار هناك من يريد الاطلاع على فحوى الفيلم او مشاهدته بعد الاحداث التي شهدتها بنغازي او القاهرة فقط...
لا يمتلك المعترضون على الفيلم في الشارع اي ثقافة من ايّ نوع كان. كلّ ما فعلوه هو توفير دعاية ضخمة لفيلم ما كان متوقّعا ان يشاهده احد باستثناء بعض متصفحي موقع quot;يو تيوبquot; الالكتروني.
يعتبر من يدير هؤلاء ويوجههم، مستفيدا من جهلهم، ان في الامكان استغلال الفيلم لضرب المصالح الاميركية في المنطقة...او التغطية على الجرائم التي يرتكبها النظام السوري. وقد وقع المصريون حكومة وشعبا في هذا الفخّ. ماذا اذا اغلقت السفارة الاميركية في القاهرة ابوابها؟ ماذا اذا توقفت المساعدات الاميركية وبرامج التنمية التي يوفّرها الاميركيون والاوروبيون؟
مطلوب ايجاد مواطن مصري يفكّر وليس مواطنا مصريا تسيّره الغرائز. ما نشهده في مصر اليوم، وقد وقع الخيار على مصر بصفة كونها كبرى الدول العربية، لانّ تصرف الشارع فيها غير طبيعي في اي شكل. انه تعبير عن مدى تدهور مستوى التعليم في بلد كان يصدّر معلمين الى الخارج. انها نتيجة طبيعية لستين سنة من عملية تجهيل مبرمجة بدأها العسكر في العام 1952 ويبدو ان الاخوان المسلمين سيستكملونها.
ماذ يتعلّم المصري العادي اليوم؟ المؤسف انه لا يتعلّم شيئا. اذا كان من مصري عالم، فهو يعيش خارج مصر. هذا زمن القحط العربي الذي يؤدي الى الهرب الى التزمت بدل الانفتاح على الاخر والاعتراف به وبثقافته. هذا زمن الجهل العربي الذي اسس لتفلت الغرائز المذهبية والطائفية. انه زمن التطرّف الذي لا يسمح بوجود مسؤول مصري قادر على قول كلمة سواء تضع قضية الفيلم التافه في مكانها الصحيح.
نعم، هناك اعتراضات على السياسة الاميركية في الشرق الاوسط. ولكن هل يؤدي قتل السفير الاميركي في ليبيا الى تصحيح التوجهات الاميركية...ام ان مثل هذه الاعمال تشجع على مزيد من الانحياز الى اسرائيل بما يخدم، في طبيعة الحال، الاهداف التي صنع من اجلها فيلم quot;براءة المسلمينquot;؟
بقي العرب خارج الثورة الصناعية التي شهدها العالم ابتداء من القرن السابع عشر وغيّرت كل المفاهيم فيه. انهم الآن خارج الثورة التكنولوجية التي شهدهتها السنوات الاخيرة من القرن العشرين وتشهدها السنوات الاولى من القرن الواحد والعشرين. انها الثورة التي سمحت بوجود موقع مثل quot;يوتيوبquot;. بدل الاستفادة من quot;يوتيوبquot; اذا بهم ضحية من ضحايا الموقع وضحية الثورة التكنولوجية بدل ان يكونوا مشاركين فيها، او اقلّه التعرف اليها ومحاولة فهمها. من قال ان للجهل حدودا، خصوصا عندما يشجّع هذا الجهل على الفهم الخاطئ لما يدور في العالم وعلى الخوف على الاسلام والمسلمين ونبيّهم من فيلم لا يستأهل وصفه حتى بالتافه.
هناك للاسف الشديد اجيال عربية تتربّى على الجهل في ظلّ الجهل. هل من دواء لهذه العلّة ام اننا سنشهد مزيدا التدهور على كلّ صعيد؟ كلّ ما يمكن قوله ان الايام والاسابيع المقبلة لا تبشّر بالخير ما دام لا يوجد بين العرب والمسلمين سوى قلائل يستطيعون قول ان اسوأ من الفيلم بعض ردود الفعل العربية والاسلامية عليه...