عنوان المقالة مأخوذ من تصريحات رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، التي أدلى بها قبل أيام قليلة لفضائية الجزيرة ونقلتها وكالة الأنباء القطرية وعشرات المواقع والصحف العربية والعالمية. وأنا أريد مناقشة فحوى هذه التصريحات تحديدا بعيدا عن الانجرار لأي معسكر من معسكري المدافعين عن دولة قطر أو المهاجمين لها، وذلك لقناعتي التامة أنّه لا تخلو أية دولة بما فيها دول الديمقراطيات الغربية من السلبيات وملفات الرشاوي والفساد التي يحاكم عليها مرارا مسؤولين كبار على مستوى وزراء ورؤساء وزراء، وهذا ما يفرقّها عن بلادنا التي تسكت على الفساد والمفسدين وتشجعهم وترقّيهم بدلا من محاكمتهم. وبالتالي فليس دوري هنا الدفاع عن دولة قطر أو الهجوم عليها، بل مناقشىة تصريحات رئيس وزرائها، وإلا لماذا نطالب القراء دوما بأن يناقشوا مضمون المقالات و يبتعدوا عن شخص الكاتب والاتهامات التي تصل أحيانا بين المعلقين أنفسهم إلى مستوى الحرب الكلامية المعلنة بدون إنذار سابق. وبالتالي فماذا نسمّي ما يجري في سوريا بين الشعب السوري ونظام بشار الوحش وعصاباته منذ منتصف مارس 2011 ؟
هل هي حرب أهلية أم حرب إبادة؟
أنا شخصيا أتفق مع توصيف رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بأنّ ما يجري في سوريا فعلا لا علاقة له بالحرب الأهلية ، بل هو حرب إبادة يقوم بها هذا النظام ضد الشعب السوري بكافة مكوناته ونسيجه الاجتماعي رغم حياد بعض هذه المكونات أو سكوتها وعدم مشاركتها في ثورة الشعب ضد هذا النظام. كيف يمكن تفسير ذلك والتدليل عليه؟. ما هي الحرب الأهلية؟. الحرب الأهلية هي تلك الحرب التي تدور بين مكونين من مكونات المجتمع أو الدولة سواء على خلفية دينية أو قناعات سياسية ، ومن أمثلتها المشهورة والمعروفة لغالبية القراء حربان: الحرب الأهلية الأمريكية بين عامي 1861 و 1865 التي اندلعت بين ولايات الجنوب الإحدى عشر التي قرّرت الانفصال عن ولايات الشمال مؤسسة ماعرف بالولايات الكونفدرالية الأمريكية، واستمرت هذه الحرب أربع سنوات كاملة، ومن ضمن خلفياتها الموقف من تجارة الرقيق، وانتهت الحرب بهزيمة الانفصاليين والعودة للولايات المتحدة الأمريكة المستمرة حتى اليوم، وإطلاق الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن بيانه بتحرير العبيد الذي دفع ثمن ذلك حياته عند إطلاق الرصاص عليه يوم الرابع عشر من أبريل 1865 ، وهو تقريبا نفس تاريخ انتهاء هذه الحرب التي كانت حصيلتها ما لايقلّ عن مليون إلا ربع مواطن أمريكي من العسكريين والمدنيين. والحرب الثانية التي لا تحتاج لتقديم معلومات عنها هي الحرب الأهلية اللبنانية عامي 1976 و 1989.
وماذا ما يحدث في سوريا؟
الحرب التي تدور منذ مارس 2011 ليست حربا بين طائفتين سوريتين، ولنكن أكثر وضوحا إنّها ليست حربا بين الطائفة العلوية التي ينتمي لها رأس النظام بشار الوحش وكبار ضباطه المسيطرين على الأجهزة العسكرية والمخابراتية؟. والدليل على ذلك أنّ غالبية أفراد الجيش النظامي الذي ما زال يحارب الشعب السوري هو خليط من السنّة والمسيحيين والدروز وغيرهم من الطوائف والقوميات، ومن المؤكد حسب نسبة السكان السوريين من كل طائفة ، فإنّ العلويين هم الأقلية في هذا الجيش الذي ما يزال يقصف الشعب السوري بكل أنواع الأسلحة التي لم يستعمل هذا المجرم ولا أبوه الأجرم حافظ واحدا من هذا السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي للجولان السورية منذ عام 1967 . وهكذا فلا يمكن اعتبار ما يجري حربا أهلية بدليل آخر وهو سكوت غالبية الأقليات خاصة المسيحية والدرزية على ما يجري، في حين أنّ المدافعين عنه بوقاحة متناهية هم شيوخ الطائفة السنّية خاصة البوقين علي البوطي ( الذي بالإضافة إلى انتمائه الطائفي للسنّة، فهو من القومية الكردية المضطهدة والممنوع غالبيتها من الجنسية السورية وكلها من استعمال لغتها القومية الكردية) و بدر الدين حسّون الذي يغرّد في قفص الوحش بصوت نشاز عن مبادىء الدين الذي يدّعي أنّه من شيوخه ودعاته.
إذن هي حرب إبادة فعلا..كيف ولماذا؟
الجواب على هذا السؤال يكون بسؤال آخر وهو: لماذا ومتى بدأ هذا النظام ورئيسه المجرم الحرب وضد من؟. بدأت حرب الإبادة هذه في مدينة درعا في مارس 2011 عندما خرجت مظاهرات الشعب السوري مطالبة بالحرية والديمقراطية والكرامة التي سلبهم إياها هذا المجرم وعصاباته منذ استيلاء والده الوحش على السلطة في انقلابه عام 1970 ليورث ابنه في عام 2000 وكأنّ سوريا شعبا وثروة ووطنا ملكا لهذه العائلة منذ ما يزيد على 42 عاما. من يتخيل هذا؟ وأي ضمير يقبل هذا الوضع؟. ونتيجة هذه اللصوصية طوال هذه السنوات ما عادت هذه الأسرة تتخيل التخلي عن السلطة وعن المليارات التي سرقتها والعودة مواطنيين عاديين كما جاءوا من القرداحة عام 1970 وهم لا يملكون سوى ليرات راتبهم الشهري. وبالتالي فقرار هذه العصابة هو: سنقاتل حتى ولو كانت النتيجة إبادة غالبية الشعب السوري، ولن نتخلى عن السلطة والثروة التي نهبناها طوال ما يزيد على 42 عاما. وإلا لماذا لا يسأل المدافعون عن هذا الرئيس المجرم وعصاباته، السؤال الذي يقول: لماذااستمع طغاة آخرون مثل حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح لثورة شعوبهم وتخلّوا عن السلطة؟. إذن سوف تستمر حرب الإبادة هذه إلى حين هزيمة طرف من الطرفين: إما الشعب السوري أو النظام ورئيسه المجرم؟
الخلاف هو لا ثقة أيضا في وساطة الأخضر الإبراهيمي
ربما كان الإسلوب الدبلوماسي هو الذي جعل رئيس وزراء قطر في تصريحاته تلك يقول ( أنّه يثق في الأخضر الإبراهيمي) لكن من المهم أنّ هذا القول الدبلوماسي جاء بعد نقضه الواضح المبين لإدعاء الأخضر الإبراهيمي بأنّ ما يجري هو حرب أهلية، وإطلاقه عليها فعلا ما تستحق حسب وقائعها الميدانية بأنّها (حرب إبادة ) وإلا ماذا نسمّي حربا بين عصابة وشعب بكامله، حربا قتلت خلال أقل من عامين ما يزيد على أربعين ألف مواطنا سوريا، عبر طرق وجرائم فعلا يخجل من ارتكابها الاحتلال الإسرائيلي. ومن المهم التذكير بأنّ الأخضر الإبراهيمي لم ينجح في أية وساطة قام بها، لأنّه دوما يحاول ارضاء الأطراف الرسمية، وهو كدبلوماسي جزائري لا يمكن أن يخرج عن رغبة وسياسة نظامه الجزائري الداعم بوقاحة علنية للنظام الوحش المجرم في سوريا.
وماذا بعد كل هذا القتل والإبادة؟
نعم كما تساءل رئيس الوزراء القطري: وماذا بعد؟. لا أعتقد أن يكون الأخضر الإبراهيمي في مستوى رؤية رئيس الوزراء القطري ، بأن يضع أمام مجلس الأمن الدولي خطة انتقالية لإنهاء حرب الإبادة هذه، لأنّ هذه الحرب لن تنتهي دون رحيل النظام، وهذا غير وارد عند النظام ورئيسه المجرم حتى لو أباد غالبية الشعب السوري. وأيضا فإنّ التذبذب وعدم المبالاة في موقف الدول الغربية، من شأنه أن يطيل أمد حرب الإبادة هذه، وانشغال العالم بالانتخابات الأمريكية، لا يعفي الدول العربية من القيام بخطوات في مستوى التصعيد القطري لدعم ثورة الشعب السوري وصولا لوقف حرب الإبادة هذه، ورحيل هذه العصابة ورئيسها، فإذا لم تتحرك الدول العربية فكيف نلوم الدول الغربية؟. أكرّر إن هذا الموقف القطري يستحق التقدير، فمن يريد النقاش فليناقش هذا الموقف فقط، من أجل دعم ثورة الشعب السوري ووقف حرب الإبادة هذه.
[email protected]
التعليقات