التفجير الإرهابي الذي وقع في حي الأشرفية بالعاصمة اللبنانية بيروت ظهر يوم الجمعة التاسع عشر من أكتوبر الحالي، ثبت أنّ المستهدف الرئيسي منه هو العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات بقوى الأمن اللبناني الداخلي، وهو بلاشك يمتلك كنزا من المعلومات التي ضاعت للأسف مع مقتله في هذا التفجير. ورغم صغر سنّه ( 41 ) عاما، إلا أنّه كان يتمتع بحس أمني عال وذكاء شديد وجرأة غير معهودة في الكشف عن الحقائق التي يتوصل إليها، و كما قال عنه اللواء أشرف ريفي المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللبناني: ( ضابطا ذكيا ومقداما، ثابر منذ توليه رئاسة الشعبة على بذل الجهود الحثيثة واعطاء الأوامر والتوجيهات المناسبة لمرؤوسيه والإشراف على تنفيذها بالدقة المطلوبة وبشكل احترافي لا سيما في مجال مكافحة الجرائم الإرهابية، وقد أدّى ذلك إلى تفكيك أكثر من ستة وثلاثين شبكة تجسس تعمل لمصلحة إسرائيل، بالإضافة لكشف هويات عدد من المخططين لارتكاب أعمال إرهابية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، كان آخرها كشف مخطط خطير لزرع المتفجرات وتنفيذ الإغتيالات في منطقة لبنان الشمالي، وتوقيف الرأس المدبر وإقامة الدليل على تورطه، وضبط كمية كبيرة من المتفجرات والعبوات الناسفة، ومبلغ كبير من المال كان مخصصا لتسهيل عملية التنفيذ).
من هو هذا الرأس المدبر؟
من الواضح أنّ اللواء أشرف ريفي يقصد العملية الخطيرة التي كشفها العميد وسام الحسن عبر مهنية أمنية عالية الذكاء يوم الثامن من أغسطس الماضي، التي تمّ فيها اعتقال الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة أحد أهم مخبري النظام السوري في لبنان، حيث تمّ اعتقاله في عملية بوليسية أقرب إلى الأفلام الهوليودية، إذ قامت قوة خاصة من فرع المعلومات بمحاصرة منزله في بلدة الجوار بقضاء المتن، وقطع الطرق المؤدية إليه في الاتجاهين، وكسر باب المنزل واقتحامه وهو نائم، كي لا يتمكن من تهريب ما جاءت قوى الأمن للعثور عليه ومصادرته، خاصة أنّ مراقبته استمرت لأكثر من شهرين وهو يدخل إلى سوريا ويخرج منها بسيارته، وكانت نتيجة هذا الاقتحام المفاجىء الذي شارك في اعطاء المعلومات عنه بعض العاملين معه، أن صودرت حوالي 26 عبوة ناسفة وكمية من الأموال، وفور اقتياده لفرع المعلومات وبدء التحقيق معه، اعترف بأنّه نقل هذه العبوات الناسفة بسيارته من دمشق حيث تسلمها من اللواء علي مملوك مدير أمن الدولة السوري، بأمر شخصي مباشر من الرئيس السوري بشار الأسد، ومن ضمن التفجيرات التي كانت ضمن المخطط هي تفجير موكب البطريرك الماروني بشارة الراعي لدى زيارته لمنطقة عكار ذات الأغلبية السنّية، وذلك لإشعال الفتنة الطائفية في لبنان من جديد، وهذا من شأنه أن يخدم توجه النظام السوري لإخافة الأقليات السورية واللبنانية من نجاح الثورة السورية على أساس أنّها ثورة سنّية ضد باقي الطوائف.
من هو المستفيد إذن من اغتيال وسام الحسن؟
من الملاحظ أنّ القوى والشخصيات القومية والبعثية اللبنانية سارعت لإتهام إسرائيل بأنها وراء الاغتيال، مع أنّ وسام الحسن سبق لفرع المعلومات الذي يرأسه أن كشف العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية، فلماذا جاء اغتياله فقط بعد اعتقاله للوزير السابق ميشال سماحة واعترافه بدور النظام السوري في تزويده بالمتفجرات و قائمة الاغتيالات والتفجيرات التي كان يخطط لتنفيذها؟. وهذا الاغتيال يلقي الضوء على عمليات الاغتيال العديدة التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005 ، وفعلا سؤال منطقي وهو: لماذا كافة الاغتيالات التي جرت منذ ذلك العام لشخصيات من القوى المناوئة للوجود السوري في لبنان؟ ألا يتهم جماعة الثامن من آذار أصدقاء النظام السوري بأنّ قوى الرابع عشر من آذار المناوئة للتخريب السوري في لبنان بأنّها عميلة لإسرائيل؟ وهل تقوم إسرائيل بكل هذه الاغتيالات لشخصيات بارزة من اصدقائها وعملائها؟ ولماذا لم تطل هذه الاغتيالات أية شخصية من القوى الصديق المؤيدة للنظام والمخابرات السورية؟. إذن وبدون تحقيقات وبحوث عميقة، فإنه لا محالة دون الربط بين اغتيال العميد وسام الحسن وتوقيفه لميشال سماحة بعد اعترافه بالتواطؤ مع النظام السوري للقيام بعمليات تفجير واغتيالات تصبّ في مصلحة النظام الذي يواجه ثورة عارمة من الشعب السوري، وهذا يدعمه أيضا تهديدات رأس النظام نفسه بأنّ زعزعة نظامه ستصيب الجوار العربي. ومن المهم التذكر بأنّ العميد وسام الحسن هو من أوكلت له مهمة توقيف المسؤولين الأمنيين اللبنانيين الأربعة على ذمة أو خلفية اغتيال رفيق الحريري، مما يعني أنّ سجل الثأر بينه وبين النظام السوري وحلفائه طويل لا يقف عند توقيف وكشف عمالة ميشال سماحة. ومن الجدير بالذكر أنّ الإدارة الأمريكية على ما يبدو كان لديها منذ يونيو 2007 معلومات مؤكدة عن عمالة وعمل ميشال سماحة لحساب الدور التخريبي للنظام السوري في لبنان، بدليل أنّ هذه الإدارة اتخذت في ذلك التاريخ قرارا بمنع ميشال سماحة ضمن مجموعة اسماء سورية ولبنانية من دخول أراضيها للتخوف من تورطهم في أعمال إرهابية تهدف لزعزعة الأمن اللبناني وإعادة ترسيخ سيطرة النظام السوري في لبنان. وهكذا في أغلب الجرائم: قل لي من هو المستفيد؟ أقل لك من هو المنفذ!!. ولن يكون اغتيال العميد وسام الحسن هو آخر الأعمال الإرهابية في لبنان تحديدا، لأنّ هكذا أعمال لا تخدم إلا النظام السوري الذي احتل لبنان احتلالا فعليا من عام 1976 حتى خروجه المذل المهين عام 2005 ، وطالما هذا النظام على قيد الحياة، فلن ينسى الطريقة التي أجبر فيها على انهاء احتلاله للبنان والخروج منه بعد أنّ حولّه مزرعة خلفية لنهبه وفساده واغتيالاته طوال ثلاثين عاما.
[email protected]
التعليقات