عدت من زيارة إلى القاهرة استمرت عشرة أيام، حيث قابلت العديد من الأصدقاء والقيادات السياسية في مختلف الأحزاب المؤيدة والمناهضة، أي المؤيدة لاستمرا حكم جماعة الإخوان المسلمين من خلال رئيسها المنتخب الدكتور محمد مرسي، والمناهضة بشكل صريح وعلني وعنيف لاستمراره في السلطة واكمال الثلاثة سنوات الباقية من ولايته الأولى التي تمرّ الذكرى السنوية الأولى لها في الثلاثين من يونيو الحالي، وهو اليوم الذي يطلق عليه غالبية المصريين quot;يوم الرعب واعتقال الرئيس أو تنحيهquot;. فما هي انطباعاتي عن مصر هذه التي أعرفها أكثر من أية عاصمة أخرى حيث أمضيت فيها عشرات السنين للدراسة والزيارة وحجم علاقاتي وصداقاتي فيها لا مثيل له في أية عاصمة عربية أو غربية؟.
الأنانية والسذاجة المفرطة لكافة الأحزاب والقوى السياسية
أرى من خلال معايشتي ومتابعتي للوضع السائد في مصر منذ تنحي الرئيس مبارك، أنّ هناك تضخما زائدا في أنانية ونرجسية كافة القوى السياسية سواء التي في الحكم والسلطة والمقرّبة منها، أو ما يطلق عليه quot;ائتلاف قوى المعارضةquot; حيث بينها من الخلافات والتناقضات في المواقف ما لا يقل عن خلافاتها مع توجهات جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة. وما يدعو للحزن أنّ كل واحد من هذه القيادات لا يكن تفاهما أو احتراما للآخرين في نفس الائتلاف ويعتبر نفسه هو الأجدر من بين خمسة و ثمانين مليونا من الشعب المصري لتولي الرئاسة والحكم. هذا في الوقت ذاته محاولة بعض هذه القيادات التقرب من جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة والتزلف لها ليس من أجل الوصول لقواسم سياسية مشتركة بل من أجل مصالح شخصية أو تنظيمية للبقاء تحت الأضواء والظهور في برامج الفضائيات المصرية التي أصبحت ( أكثر من الهم على قلب الشعب المصري). وقد كشف اللقاء الذي نظمته الرئاسة المصرية مع غالبية هذه القوى لمناقشة موضوع (سدّ النهضة الإثيوبي) يوم الرابع من يوينو خواء غالبية هذه القيادات وتفاهة تفكيرها الذي هو أقرب للأفلام الهندية أو أفلام الخيال العلمي. وسواء كان البث المباشر على الهواء لهذه الجلسة السرية تمّ خدعة من الرئاسة المصرية كما ترى بعض القوى السياسية أو تمّ نسيانا وبالخطأ غير المقصود كما اعتذرت الدكتورة باكينام الشرقاوي مساعدة الرئيس مرسي للشؤون السياسية، فقد كشف هذا البث المباشر تفاهة تفكير العديد من هذه القيادات.
فمن غير المعقول هذه البلطجة السياسية كأن يقول على الهواء مباشرة الدكتور أيمن نور ، رئيس ما يسمى حزب غد الثورة، ما نصّه حرفيا كما تمّ بثه على الهواء مباشرة: quot; تنشر مصر إشاعات عن سعي مصر لامتلاك طائرات متطورة كطريقة استخباراتية لبث الخوف في نفوس الإثيوبيين...المجتمع الإثيوبي مهترئ لأقصى درجةquot; منبها الحضور لضرورة إستغلال ضعفه لتمزيقه وإثارة القلاقل الداخلية. أما الدكتور أبو العلا ماضي، رئيس ما يطلق عليه حزب الوسط، فقد دعا إلى حل أزمة السد الإثيوبي على طريقة حل أزمة اختطاف الجنود في سيناء، رغم أنّ الشعب المصري لا يعرف كيف تمت هذه العملية التي تفاصيل ما عرف عنها تبدو ايضا كأنها فيلما هنديا أيضا، وتصوروا هذا الدكتور رئيس حزب الوسط يتحدث وكأنّ حزبه يجب أن يسمّى (حزب هز الوسط)، فهو يقول في الاجتماع على الهواء مباشرة : (...كما إقترح أيضًا إطلاق الشائعات حول السد، وممكن نطلع إشاعات بأن مصر هتضرب السد ). أما محمد عصمت السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، فاستمر ضمن سياق العبط السياسي قائلا: إن هناك ضرورة لعمل مخابراتي في دول الجوار، ومع القبائل داخل إثيوبيا لزعزعة إستقرارها ...طبعًا المخابرات بتاعتنا لازم تشتغل في دول جوار إثيوبياquot;. وأضاف موجهًا حديثه للرئيس محمد مرسي: quot; كله حضرتك زي ما إنت ممكن يتظبط، وكمان ممكن المخابرات تشتغل عليهاquot;. هذه الهلوسات والتحشيش السياسي جعل موقف إثيوبيا من سد النهضة هو الأقوى، وأساء لسمعة مصر وقواها السياسية، وفي المستقبل إن شهدت إثيوبيا أي عمل إرهابي ضد السد أو أية منشأة أخرى، لن توجه الاتهامات إلا لمصر ومخابراتها وعملائها...فهل هكذا رؤساء أحزاب كرتونية مؤهلين لحكم وقيادة شعب من قرابة خمسة وثمانين مليونا؟.
ومحاولات هيمنة الإخوان أيضا،
إذ أنّه لا يخلو قطاع من قطاعات الحياة الاجتماعية المصرية إلا وله مشاكل مع جماعة الإخوان خاصة في ميدان الهيمنة على هذه القطاعات، وتطلق عليه العديد من القوى تسمية (أخونة الدولة)، لذلك تسود هذه الشكوى القطاعات المؤثرة والفاعلة في الحياة المصرية مثل (القضاء المصري) و (قطاع الإعلام والثقافة). وقد كان قرار المحكمة الدستورية بحل مجلس الشورى وبطلان تأسيسية الدستور انتصارا ضخما للسلطة القضائية التي تسعى لاستقلالية تبعدها عن الهيمنة وأخونة الدولة. وهذا ما جعل الدكتور عبد الله المغازي أستاذ القانون الدستوري والمتحدث باسم حزب الوفد يرى quot; إن الإخوان فشلوا في بناء الثقة بينهم وبين القوي السياسية، حتى مع رجل الشارع العادي فلا أحد بات يصدقهم الآن، بسبب فشلهم في إدارة شئون البلاد خاصة، الرئيس مرسي اتضح أنه بلا برنامج أو مشروع أو خطة قومية، وقد آن الأوان لكي يتم إعادة طرح الثقة في شخصه من جديد من خلال إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لأن مصر دولة كبيرة ولا يمكن السماح بإجراء التجارب علي شعبها من أناس مبتدئين اتضح أنهم بلا خبرة كما كانوا يروجون لأنفسهمquot;. وضمن نفس السياق أبدى وزير الثقافة الدكتور علاء عبد العزيز المحسوب على جماعة الإخوان عنجهية بغيضة في تحديه لتظاهرة واعتصامات كبار الإعلاميين والمثقفين المصريين ضده وفي مكتبه تحديدا، غير مبال بمطالبة هذه النخبة من المثقفين المصريين برحيله عن الوزراة بسبب ممارساته البعيدة عن خلق الإعلام والثقافة. وهذا الاعتصام ما زال مستمرا حتى ساعة كتابة هذه المقالة أي لليوم السادس مما نتج عنه الغاء أو تأجيل العديد من الفعاليات الثقافية المشهورة.
رعب الثلاثين من يونيو القادم
يعيش الشعب المصري نتيجة هذا الاحتقان والحشد ضد حكم جماعة الإخوان تخوفا هائلا من احتمالات ما سيحدث يوم الثلاثين من يونيو القادم. وأرى حسب معايشتي الأسابيع الماضية لهذا الاحتقان ميدانيا في القاهرة، أنّ الاحتمالات التالية ربما تكون متوقعة:
1 . أن تتحلى كافة القوى المؤيدة والمعارضة بممارسة التظاهر والتحشيد السلمي في ميادين بعيدة عن بعضها البعض، وبالتالي لا يحدث تصادم دموي بينها ستعجز كافة قوى الشرطة والأمن عن وقفه والتصدي له.
2 . وهو الاحتمال الأرجح للحدوث هو التصادم بين المؤيدين والمعارضين بشكل دموي رهيب في ظل التصعيد العدواني من كل طرف طوال الأسابيع الماضية خاصة حركة quot;تمردquot; التي تصرّ على استقالة وتنحي الرئيس مرسي، وتسعى لجمع 15 مليون توقيع مع هذه المطلب قبل تاريخ اليوم المحدد، وهذا ما أدى لقيام جماعة يعتقد أنّها من الإخوان المسلمين بحرق مقر الحركة للقضاء على استمارات التوقيع المليونية التي جمعتها الحركة. ويردّد البعض احتمالات اقتحام قصر الاتحادية واحتجاز الرئيس مرسي فيه لحين تنحيه وإعلانه التخلي عن السلطة. وفي ظل تصاعد العنف والقتل الدموي الذي أتمنى أن لا يحدث ليس مستبعدا نزول الجيش المصري لوقف العنف وضبط الأمور واستلام السلطة من الرئيس إلى حين استتباب الحياة الاجتماعية والسياسية واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة.
تلك هي السيناريوهات والاحتمالات المطروحة التي هي في الغالب نتيجة تخبط الرئيس مرسي وحكومته طوال العام الماضي خاصة أنّها أوصلت مصر في غالبية قطاعات حياتها إلى مستوى لم تعشه أو تصل إليه مصر طوال المائة عام الماضية. ويقوم الرئيس مرسي وحكومته بحركات استفزازية لغالبية الشعب المصري، وحركات استعراضية للضحك على بعض نسيج الشعب المصري مثل قراره بالموافقة على بناء كنيسة في محاولة لكسب رضا الأقباط، متناسيا أنّ هذه الحركة لن تمرّ على أي جاهل قبطي أو مصري، فهناك عشرات الطلبات لتجديد كنائس قائمة مذ مئات السنين لم يعطها الرئيس أي اهتمام، وقرار بناء كنيسة الآن مجرد ضحك على عقول الجهلة يمكن سحب القرار أو تجميده في أية لحظة بعد مرور التسونامي المرتقب أن يعصف بقصر الاتحادية اعتبارا من ليلة الثامن والعشرين من يونيو، لذلك ترى بعض المصادر الغربية أن الرئيس مرسي لن يتواجد في القصر ولا في منزله المعروف منذ يوم الخامس والعشرين من يونيو، وهذا ما دعا البيت الأبيض الأمريكي لإقامة خلية عمل طوارىء في واشنطن مرتبطة بالسفارة الأمريكية في القاهرة لمراقبة ذلك اليوم الأسود.
www.drabumatar.com
التعليقات