الانتخابات النيابية التي جرت مؤخرا في المملكة الأردنية لانتخاب البرلمان السابع عشر، يستطيع المراقب الموضوعي المحايد الذي همّه الأساسي تشجيع كافة الخطوات المتعلقة بتطوير الحريات الديمقراطية في الوطن العربي، إلا أن يعترف انّها كانت ضمن مسيرة الانتخابات العربية، انتخابات ديمقراطية نزيهة تمتعت بأعلى نسبة من النزاهة والشفافية، آخذين بعين الاعتبار أنّه لا تخلو أية انتخابات حتى في الديمقراطيات الأوربية العريقة من بعض التجاوزات والمخالفات، وما حدث في مسيرة هذه الدورة الانتخابية الأردنية باعتراف المراقبين المحليين والدوليين، أنها كانت حالة فريدة وجديدة ضمن انتخابات المملكة والمنطقة. وقد راقب هذه الانتخابات ما يزيد على خمسة ألاف مراقب محلي، ومئات المراقبين الدوليين في مقدمتهم وفد (المعهد الديمقراطي الوطني) الممول من برنامج المساعدات الأمريكية، وقد ضمّ خمسين مراقبا من تسعة وعشرين دولة، و ترأسه السيد (خورخي كيروغا) الرئيس الأسبق لبوليفي،ا والسيد (أتاهيروجيغا) رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ،والسيدة (إليزابيت وير) العضو السابق في المجلس التشريعي لمنطقة نيو برونزيك في كند،ا والرئيس الأسبق للحزب الديمقراطي الجديد في نيو برونزبك، والسيد(ليزلي كامبل) المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الديمقراطي الوطني.
وكان التعليق المختصر لهذا الوفد كافيا على أن يكون مرشدا ونصيحة للمرشحين والناخبين الأردنيين، إذ صرّح الوفد ب (أنّ التحسينات يجب أن تعطي المتنافسين والناخبين في هذه الدورة الانتخابية والدورات المستقبلية الثقة بأن الأصوات قد تمّ عدّها وفرزها وأنّ خيارهم قد ظهر بوضوح في النظام الانتخابي). كما أعلن هذا الوفد الدولي عن مظاهر التحسينات والتطورات الديمقراطية التي شهدتها هذه الدورة الانتخابية، ومنها تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات التي مهّدت لتحسينات مهمة في العملية الانتخابية، حيث تضمنت إعداد أوراق اقتراع موحدة ومطبوعة مسبقا لأول مرة في تاريخ الأردن. ويكفي التذكر أن السلطات الأردنية أوقفت ثلاثة مرشحين لأنّه تم ضبطهم في محاولات لشراء أصوات الناخبين، وذلك انسجاما مع مطالبة الملك عبد الله الثاني محاربة المال السياسي قائلا: (إن تأثير المال السياسي السلبي لا يقتصر على نزاهة الانتخابات، بل على مستقبل كل أردني وأردنيةquot;. كما أنّ موظفي مواقع الاقتراع تمّ تدريبهم بشكل جيد على كيفية مراعاة الدقة والنزاهة لأبعد الحدود.
ماذا تعني نتائج هذه الانتخابات؟
لاحظت أنّ بعض الكتابات اختصرت كل هذه التفاصيل في جملة واحدة تقول (إنّ غالبية الفائزين في الانتخابات من أنصار النظام). وسؤالي: ما هو الخطأ أو العيب في هذا، إذا كان من أسّس لهذه الانتخابات النزيهة هو النظام، وهذه هي إرادة ورغبة الناخبين الأردنيين؟. ألا يكفي التوقف عند التعديلات التي جرت على القانون الانتخابي قبل بدء الانتخابات ومنها استحداث ما عرف بالقائمة الوطنية المفتوحة للتنافس بين كافة الشخصيات والأحزاب والقوى التي دخلت الانتخابات من خلال 22 قائمة؟. وهل هي رغبة النظام في هذا التشتت والتفرق ل 22 قائمة للتنافس على 27 مقعدا؟. أما كان بإمكان المرشحين الاتفاق على قائمة واحدة أو قائمتين في أبعد الحدود؟. ولنتصور أسماء وعناوين هذه القوائم المتنافسة، وكلها فازت بمرشح واحد ما عدا قائمتين فازت كل منها بثلاثة مرشحين: الوسط الإسلامي، وطن، أردن قوي، صوت الوطن، الفجر، الكرامة، أهل الهمة، الوحدة الوطنية، البيارق...إلخ. وهنا أتذكر قول المرحوم الملك الحسين بن طلال تعليقا على كثرة عدد الأحزاب الأردنية المرخصة في عهده التي زادت عن عشرين حزبا، إذ قال(إن الزحام يعيق الحركة). وهل يحتاج الأردن إلى أكثر من ثلاثة أحزاب في أبعد التقديرات، حيث الفكر المطروح في الساحة الأردنية لا يتعدى: الفكر الإسلامي و القومي واليساري؟.
خطأ مقاطعة الإخوان المسلمين وتعليقاتهم على نتائج الانتخابات
أرى وأنا من سبق أن دافع عن بعض توجهات جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين، وتمنيت لو يشكّلوا الحكومة الأردنية مرة واحدة لنرى هل يملكوا المعجزات لحلّ مشاكل الأردن التي أغلبها اقتصادية بسبب قلة الموارد الطبيعية وكثافة الهجرة العربية خاصة أن الأشقاء من مصر والعراق وسوريا فقط يقترب عددهم من مليون شخص. أرى أنّ مقاطعة الإخوان الانتخابات التي جرت في هذا الجو النزيه والشفاف، هو خطأ فادح فليس من المنطقي التشكيك في طبيعة سير العملية الانتخابية قبل بدئها، وبعد اتمامها تنفرد جماعة الإخوان المسلمين وحدها في التشكيك في اجراءات الانتخابات، وكأنّ الخمسين عضوا من مراقبي المعهد الوطني الديمقراطي من 29 دولة الذين اشادوا بنزاهة العملية الانتخابية، هم مرتشون والشرفاء فقط هم جماعة الإخوان المسلمين. والدليل على نزاهة هؤلاء المراقبين أنّهم لم يتغاضوا عن ذكر بعض السلبيات التي معالجتها تؤدي لتطوير العملية الانتخابية (وصولا للهدف المعلن لجلالة الملك وهو تشجيع تشكيل حكومة برلمانية كاملة) حسب توصيف المراقبين أنفسهم.
إنّها مواقف عدمية،
لا تضع في الحسبان ما طرأ في الساحة الأردنية خاصة فتح ملفات الفساد ومحاكمة أكبر واقوى رموزه، والأهم هو تصريح الملك عبد الله الثاني حول أنّه سيتشاور مع أعضاء البرلمان الفائزين حول شخص رئيس الحكومة القادم. أليس هذا تطور مهم يعتبر من أساسيات الملكية الدستورية التي ينادي بها الإخوان المسلمون؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ التطبيقات هي المهمة وليس التسميات، فمن الممكن أنّ اسميها ملكية دستورية ولكن التطبيقات تكون ديكتاتورية بامتياز. فلتتصور جماعة الإخوان المسلمين الأردنية لو أنها شاركت في الانتخابات وكانت واثقة من شعبيتها وفازت ب 27 مقعدا المخصصة للقائمة الوطنية ومقاعد أخرى في مختلف المحافظات، أما كانت ستقوم بدور فاعل وبناء في مسيرة الديمقراطية الأردنية السلمية؟. ولكن هذه الجماعة تزخر بالعديد من التوجهات والخلافات بدليل مضمون ما أطلقت عليه قيادات منهم (وثيقة زمزم) التي تؤكد تشتت رؤى هذه الجماعة خاصة إزاء عملية الإصلاح وكيفية التعامل مع النظام الملكي الأردني الذي رعاهم منذ عام 1950 وتطوروا في حمايته كجمعية خيرية إلى أن أسسوا حزبهم (جبهة العمل الإسلامي) بعد الانفتاح الديمقراطي الشجاع الذي بدأه المرحوم الملك حسين عام 1989 ، وهم ينسون أنّ النظام الملكي الأردني استضاف العديد من قياداتهم هاربين من القتل والإعدامات في دول مجاورة، في خطوة اعتبرت حينها في منتهى الجرأة والوفاء من النظام الملكي الأردني. عقلانية جماعة الإخوان المسلمين الأردنية بدت ظاهرة وتستحق التقدير في إعلانهم الصريح بضرورة استمرار النظام الملكي الأردني والمحافظة عليه وأنهم يطالبون بالإصلاح فقط. والسؤال هو: هل المساهمة في عملية الإصلاح تتم من خلال المقاطعة النيابية أم من خلال المشاركة والعمل من خلال البرلمان أيا كانت نسبة الفائزين منهم؟. إنّ إصلاح تراكمات ما يزيد على ثمانين عاما لا تتم في ساعات بل تحتاج لنضال تشارك فيه كل القوى والأحزاب الأردنية، طالما أبدى النظام رغبة حقيقة في دعم هذا الإصلاح وتطويره بأقصى سرعة ممكنة.
وكنتيجة نهائية من خلال متابعتي ورصدي،
أرى أنّ النظام الملكي الأردني الذي هو الجامع الوحيد لكافة نسيج المجتمع الأردني العشائري ومتعدد المنابع والأصول، يسير بخطى واثقة وقناعة كاملة للوصول إلى وضع ديمقراطي متنوع، له أرضيته المتجذرة في المجتمع الأردني الذي لم يشهد قمعا وسجونا ومعتقلات ومصادرة لحرية الرأي ترقي لنسبة واحد بالمليون من سجل بعض الدول المجاورة. وضمن نفس السياق من المهم متابعة توصيات وفد (المعهد الديمقراطي الوطني) الخاصة بتطوير العملية الانتخابية في السنوات القادمة، ومنها (تشجيع مشاركة المرأة في العملية الانتخابية أيضا كمسؤولي انتخابات) و(توضيح عملية تشكيل الحكومة، ولتحقيق رؤية جلالة الملك في الحكومة البرلمانية لا بد من توضيح وإيجاد إطار قانوني لتشكيل الحكومة). إنّ هذه الانتخابات الأردنية تؤسس لاستمرار الربيع الأردني السلمي الذي يهدف لمصلحة النظام والشعب والوطن، خاصة أنّ هذا الربيع تميز بسلميته الحضارية ولم يشهد نسبة من الدم والقتل والتدمير في دول عربية مجاورة. فلنشجع هكذا مسيرة ديمقراطية سلمية فيكفي هذا الوطن العربي ديكتاتوريات دموية، تصرّ على الاستمرار في القمع والنهب على جثث عشرات ألالاف من شعوبها.
ملاحظة مهمة
لاحظت أنّ غالبية المرشحين الأردنيين الذين لم يفوزوا في الانتخابات بدلا من سؤال الناخبين: لماذا لم يصوتوا لهم، انهالوا بالاتهامات حول عدم نزاهة الانتخابات، أمّا لو فازوا لكانت انتخابات نزيهة وشفافة، ومن هؤلاء الخاسرين أشخاص مجهولين لا يعرفهم سوى زوجاتهم وأولادهم. أفبهذه الطريقة الصبيانية نستطيع تأسيس الديمقراطية التي نصبو اليها كشعب ووطن، وليس كأفراد نبحث عن الشهرة الشخصية والمناصب؟. وبالتالي فإن غالبية أعمال الشغب التي شهدتها بعض محافظات المملكة عقب إعلان نتائج الانتخابات هي من اشخاص محسوبين على أولئك المرشحين الخاسرين، وبالتالي ليس تقليلا من قيمة المجتمع الأردني عندما أقول: إننا بحاجة لتربية وثقافة حول أصول الديمقراطية، فليس من المعقول أن ينجح كل مرشح في الانتخابات وإلا فالشغب هو النتيجة. الخاسر عليه أن يسأل الشعب لماذا لم ينتخبه خاصة أنّه ترشح في دائرة يعرف ناخبيها ويعرفونه حق المعرفة.
[email protected]
التعليقات