الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى القاهرة في الأيام القليلة الماضية لحضور اجتماعات قمة منظمة التعاون الإسلامي ، حظيت باهتمام عربي وعالمي على اعتبار أنّ هذه الزيارة ستكون فاتحة لعلاقات جديدة بين دولتين إقليميتين لهما وزنهما ودورهما الإقليمي والعالمي، وكون العلاقات بينها مقطوعة مما يزيد عن ثلاثين عاما، فإنّ هذه الزيارة ستكون مؤشرا لعودة تحالف أو تنسيق إقليمي ودولي بين هاتين الدولتين، خاصة بعد رئاسة مصر من قبل جماعة الإخوان المسلمين وحزبها (الحرية و العدالة)، مما يفترض عند البعض أن يكون هذا الحزب وجماعته أقرب للنظام الإيراني الذي يحكم منذ العام 1979 تحت اسم (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، فخلفيتان إسلاميتان يفترض أن يكونا أكثر تفاهما بغض النظرعن الخلفية القومية المتباعدة والمتنافرة تاريخيا لدرجة العلنية المكشوفة. فهل وجدت توقعات البعض هذه نتائجها الميدانية أثناء هذه الزيارة في الواقع والمشهد المصري والميداني؟
زيارة صور وتقبيل بروتوكولي فقط
بدأت الزيارة باستقبال رسمي من قبل الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي في مطار القاهرة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد، حيث صاحب ذلك بروتوكوليا البساط الأحمر وعزف النشيدين المصري والإيراني، وكانت المفاجأة التقبيل الحار ظاهريا والبارد داخليا من الرئيس المصري لضيف القمة أحمد ي نجاد، مما جعل هذا التقبيل والتبويس مدعاة تفاؤل للبعض، معتقدين أنّ الجليد الذي كان يحول دون لقاء الدولتين قد ذاب نهائيا، وهاهي الطرق تصبح سالكة بدون عوائق لعودة علاقات متميزة وقوية يطمح إليها الجانب الإيراني أكثر بسبب العزلة والمقاطعة الدولية المفروضة عليه منذ سنوات دوليا،والفتور في العلاقات العربية الإيرانية خاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي عربيا، مما يعني بوضوح الحاجة الإيرانية للعلاقات مع مصر أكثر من حاجة مصر، حيث أنّ التطلع لاستثمارات اقتصادية إيرانية في مصر من المستحيلات بسبب الظروف الاقتصادية الإيرانية الصعبة للغاية التي أدت لتدهور خطير في الاقتصاد والعملة الإيرانية، وكون هذه الاستثمارات إن وجدت لا يمكن أن تلتقي مع الاستثمارات الدولية أو العربية الخليجية، خاصة أنّ الأخيرتين أكثر أهمية ووعودا لمصر ووضعها الاقتصادي.
وخلافات وقطيعة داخل الأزهر
من المهم ملاحظة أنّه من بين 26 رئيسا عربيا وإسلاميا وعشرات وزراء الخارجية الذين حضروا اجتماعات هذه القمة في القاهرة، كان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الوحيد من بين هؤلاء المسؤولين الذي قام يوم الثلاثاء، الخامس من فبراير 2012 ، بزيارة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في مقر المشيخة بالقاهرة، وهو أول لقاء بين الطرفين، وقد اتخذ أهميته من كونه اجتماع بين ممثل أكبر مؤسسة إسلامية سنّية في العالم الإسلامي و بين رئيس أكبر دولة شيعية المذهب في العالم الإسلامي الذي يتألف مما لا يقلّ عن 57 دولة ولو بالإسم فقط!!!. حدث في هذا الاجتماع ما لم يتوقعه أحمدي نجاد فقد كان شيخ الأزهر أكثر شجاعة ووضوحا دون مواربة أو مجاملة، فقد أصدر بيانا حول اللقاء داعيا الدولة الإيرانية إلى عدة مطالب بدونها لن يتم التحالف أو التنسيق، وهذه المطالب هي:
1 . عدم التدخل في شؤون دول الخليج العربي.
2 . احترام دولة البحرين كدولة عربية شقيقة.
3 . رفض المد الشيعي في بلاد أهل السنة والجماعة.
4 . إعطاء أهل السنّة والجماعة في إيران وبخاصة في إقليم الأهواز حقوقهم الكاملة كمواطنين. (وكان ملحوظا للجميع أنّ مصر قبل هذه القمة بأيام قد استضافت مؤتمرا لدعم عرب الأحواز، كان المؤتمر الأول الذي تشهده الدول العربية بحضور نشطاء وسياسيين من إقليم الأحواز المحتل إيراينا).
5 . استصدار فتاوي من المراجع الدينية تجرّم وتحرّم سبّ السيدة عائشة والصحابة الكرام أبي بكر و عمر و عثمان والإمام البخاري حتى يمكن لمسيرة التفاهم أن تنطلق. ( المطالب الخمسة السابقة كما وردت نصّا في بيان شيخ الأزهر).
لذلك لا تفاهم بل استمرار القطيعة والضغينة،
لأنّ النظام الإيراني منذ وصول الخميني للسلطة عام 1979 يستعمل ويمارس غالبية المطالب السابقة بشكل مثير ومستهجن في كافة الأقطار العربية، خاصة ما يتعلق باستمرا مصادرة حرية وكرامة عرب الأهواز المحتلة إيرانيا منذ العام 1925 والجزر الإماراتية الثلاثة المحتلة منذ العام 1971 ، وتهديده الدائم العلني بضمّ دولة البحرين كمحافظة إيرانية كما يدّعي وإثارة الفتنة الطائفية فيها، أما التدخل في شؤون الدول العربية فلا يقتصر على دول الخليج العربي فقط ، بل امتدّ إلى مصر ذاتها من خلال خلايا حزب الله اللبناني المكان ، الإيراني السياسة والتوجه، تلك الخلايا التي سبق اعتقالها في العام 2009 ، وكذلك التوتر مع المملكة المغربية الذي أدّى لقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في مارس 2009 على خلفية تضامن المغرب مع دولة البحرين ومحاولات النظام الإيراني دعم جبهة البوليساريو التي تهدّد أمن ووحدة المملكة المغربية.
أمّا محاولات التمدد الشيعي،
فلا أعتقد أنّ النظام الإيراني يسعى لذلك خدمة للمذهب الشيعي الذي من حق المعتقدين به ممارسة معتقداتهم،وكذلك أصحاب المذهب السنّي بشرط عدم اساءة أحد للآخر، بقدر ما هو وسيلة للتمدد السياسي والنفوذ المحلي في الدول العربية خاصة الجوار الخليجي، بدليل أنّه قبل العام 1979 لم تشهد المنطقة هذا الصراع الشيعي السنّي الذي أصبح علنيا، ويكاد يتفوق على صراع الطرفين مع أي طرف آخر بما فيه الاحتلال الإسرائيلي. ومما لفت أنظار متابعي زيارة أحمدي نجاد للقاهرة، هو حرصه على صبغها بلون ديني رغم أنّها زيارة سياسية بحتة، فبعد زيارته لمشيخة الأزهر قام بزيارة مسجد الحسين في القاهرة، وأعلن مسؤول في الأزهر أنّ نجاد سيقوم أيضا بزيارة مسجدي السيدة زينب والسيدة نفيسة، ورغم أنّ هذه الزيارات من حقه وحق أي مسلم أيا كان مذهبه وطائفته، إلا أنّ نجادي كسياسي ما كان من الضروري له القيام بهذه الزيارات تحديدا، كي لا يعطي جانبا من زيارته الصبغة الطائفية التي نعاني جميعا من احتقانها، بدليل أنّ quot;الدعوة السلفية المصريةquot; رفضت في بيان صحفي لها أن تتضمن جولة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مصر زيارة المساجد والأماكن التي يقدسها الشيعة، معتبرة حدوث ذلك quot;سقطة تاريخية للدبلوماسية المصريةquot;، كما أدان الزيارة من اساسها شيخ المقاومة الشعبية في مدينة السويس الشيخ حافظ سلامة ولام الرئيس مرسي على دعوته لأحمدي نجاد الملوثة أيدي نظامه بدماء المسلمين ودعمه للنظام السوري المجرم بحق الشعب السوري. والملاحظ أنّه من بين مئات المشاركين في قمة القاهرة هذه لم يقم أي مسؤول من دولة عربية أو إسلامية بزيارة أي مسجد أو مقام سواء للسنّة أو الشيعة...فلماذا أحمدي نجاد فقط دون غيره يحرص على ذلك وسط هذا الاحتقان الطائفي العلني الذي لم يعد سرّا؟.
وكذلك موقف إيران الداعم لوحش سوريا،
فهذا الموقف يثير غضبا شعبيا عارما وسط هذه الجرائم المستمرة لهذا الوحش، وبذلك يعطي النظام الإيراني دليلا على أنّه لا يدعم إلا النظام الذي هو على شاكلته، فقمع حقوق الإنسان ومصادرتها في إيران لا تقلّ عنها في سوريا، وحركة الإعدامات في إيران تسجّل معدل إعدام شخصين أو ثلاثة يوميا.وكذلك دعمه المتواصل لحزب الله في لبنان الذي يعلنها رسميا في بيانه التأسيسي عام 1985 (هدفنا الاستراتيجي اقامة دولة إسلامية في لبنان مرجعيتها الدينية في قم بإيران). أي استنساخ لدولة ملالي طهران في الشكل والمضمون على حساب بقية الطوائف اللبنانية التي لم تعرف هذا الطرح الطائفي قبل تأسيس حزب الله.
ورغم فشل زيارة نجاد،
في تحقيق أي تقارب حقيقي ميداني بين إيران و مصر، فإنّه من مصلحة كافة الأطراف العمل على تحقيق هذا التقارب، والمسؤولية الأساسية تقع على الجانب الإيراني في تحقيق وتلبية مطالب مشيخة الأزهر السابقة التي هي أساس الخلاف والتباعد، وكل الأطراف مطلوب منها الكف عن النفخ في بالون الاحتقان والصراع الطائفي الذي لا يخدم لا السنّة ولا الشيعة، فاتركوا الحرية لكل شخص من أية جنسية أن يعتنق ما يريد، والله وحده يحاسب عباده،و رغم صعوبة أو استحالة هذا المطلب فهو الأساس في تخفيف حدة هذا الاحتقان الذي يأخذ في أكثر من دولة صورة الحرب العلنية.
[email protected]
التعليقات