مثل تهديد بعض قياديي حزب نداء تونس الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي، باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية - وعلى رأس هؤلاء الأستاذ عبد الستار المسعودي، محامي الباجي قائد السبسي، نتيجة لما يتعرض له حزبهم من مضايقات وعنف من قبل جهات محسوبة على الفريق الحاكم في تونس ترفع شعارات حماية الثورة ndash; سابقة خطيرة في تاريخ تونس أثارت انتباه الرأي العام الوطني وكذا وسائل الإعلام في quot;العالم الخارجيquot;.

حيث رأى البعض أن ما يحصل هو نتيجة طبيعية لانعدام الثقة في القضاء الوطني، وفي النيابة العمومية الخاضعة بالكامل لسلطة السيد وزير العدل في غياب هيئة مستقلة تشرف على القضاء، ماطل الفريق الحاكم في إقرار القانون المتعلق بها. إذ يتهم هؤلاء quot;القضاء الواقفquot; (النيابة العمومية) بالمسارعة في إثارة التتبع في وقت قياسي كلما تعلق الأمر بخصوم الفريق الحاكم، وبالمماطلة كلما تعلقت الشبهة بجهات محسوبة أو قريبة من حركة النهضة.
ويستشهد هؤلاء بقضية سامي الفهري (مدير قناة التونسية الفضائية وشريك سابق لبلحسن الطرابلسي شقيق ليلى زوجة زين العابدين بن علي)، التي تعهد بها قاضي التحقيق من قبل النيابة العمومية بسرعة عجيبة وفي يوم عطلة (ثاني أيام عيد الأضحى المبارك) في سابقة لم يشهد لها تاريخ القضاء التونسي مثيلا. وفي المقابل بالمماطلة في فتح تحقيق يتعلق بشكاوى تقدم بها البعض ضد وسيلة إعلامية على ملك رجل أعمال تونسي مقرب من الفريق الحاكم، باعتبارها امتهنت السب والشتم والقذف في أعراض الناس وتحديدا في المنتمين إلى المعارضة.
ويعتبر فقدان الثقة في المؤسسات الوطنية أمرا على غاية من الخطورة ينبئ بحصول كارثة حقيقية - إذا لم يقع الإنتباه سريعا إلى هذه المعضلة- باعتباره يؤدي إلى انهيار الدولة، وانتشار الفوضى والخراب في غياب الرادع للمخالفين، والمتمثل في القضاء المستقل والأمن الجمهوري اللذين تعهد لهما مهمة تتبع وجلب المشتبه فيهم بقطع النظر عن أي انتماء سياسي أو عقائدي أو مذهبي لمرتكب الفعل المجرم.
فالعنف السياسي الذي انتشر في تونس ويستهدف المعارضة بالدرجة الأولى يتكرر ولا أحد يحرك ساكنا. وحتى ذلك العنف الذي طال الفريق الحاكم وخصوصا رئيسي الجمهورية والمجلس التأسيسي المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر(يوم ألقيا خطابين في سيدي بوزيد بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاق الشرارة الأولى للثورة التونسية فتم رشقهما بالحجارة)، فالحكومة هي المسؤولة عنه باعتبارها تمتلك وسائل ردعه وحصل من جانبها تقصير في تجنبه.
فالمدنيون من غير رجال الأمن الذين اعتدوا بوحشية على المتظاهرين يوم 9 أبريل الماضي في شارع الحبيب بورقيبة بمناسبة احتفال التونسيين بعيد شهدائهم الذين قضوا برصاص المستعمر الفرنسي السابق، والذين ظهرت صورهم في جميع وسائل الإعلام كان من الواجب تتبعهم، وكذا أولئك الذين لم يسلم من شرهم رجال الأمن أنفسهم في ساحة القصبة يوم تظاهرت النقابات الأمنية مطالبة بحقوق منظوريها أمام مقر الحكومة، كما لم يسلم من بطشهم المعطلون عن العمل الذين طالبوا بحقهم في التشغيل والإتحاد العام التونسي للشغل يوم إحياء النقابيين لذكرى اغتيال زعيمهم فرحات حشاد على يد عصابة اليد الحمراء الفرنسية، وأحزاب المعارضة، ووزراء سابقين على غرار سعيد العايدي وكل من تظاهر رافعا شعارات مناوئة للحكومة ولحركة النهضة.
لقد أدى التهاون في ردع دعاة العنف ومنتهجيه في العمل السياسي، هؤلاء، إلى حصول quot;موقعة جمل تونسيةquot; شبيهة بتلك التي شهدها الأشقاء في بلاد النيل (آخر أيام حكم مبارك)، تناقلت أطوارها وسائل إعلام محلية ودولية، كان مسرحها جزيرة الأحلام جربة بجنوب تونس. حيث اعتدي على اجتماع شعبي لحزب معارض منافس لحركة النهضة من قبل أشخاص يمتطون صهوة الخيول بثوا الرعب في الحاضرين بما في ذلك النساء والأطفال. وتم الأمر على مرأى ومسمع من ضيوف أجانب على هذا الحزب من الحقوقيين حضروا على عين المكان ومن المؤكد أنهم سينقلون إلى شعوبهم أسوأ الإنطباعات عن الهمجية في أرض الخضراء، مهد الربيع العربي التي تطلع إليها ساسة العالم وشعوبه في الماضي القريب بإنبهار وأشادوا بالمنجز (الإطاحة بالديكتاتورية بطريقة سلمية حضارية).
إن اللجوء إلى القضاء الدولي وإن مثل حركة احتجاجية وتعبيرا من المعارضة عن حالة اليأس والإحباط وعدم الثقة في القضاء الوطني وكذا المؤسسة الأمنية، إلا أنه ما كان يجب أن يحصل لأن عواقبه وخيمة على الكل، معارضة وموالاة لأنه يؤدي إلى تدويل الشأن التونسي ويفتح الباب على مصراعيه للتدخلات الخارجية التي يجب السعي للحد منها وتحقيق أكبر قدر من السيادة الوطنية واستقلالية القرار في زمن قبر مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.