لازال الوضع في مالي يثير قلق دول الجوار كما فرنسا المستعمر السابق لمنطقة غرب إفريقيا وشمالها. فرغم تسليم الإنقلابيين في باماكو السلطة للمدنيين تحت الضغوط ودون إراقة دماء، ورغم لجوء الرئيس السابق توماني توري إلى السينغال، إلا أن سيطرة المتمردين الطوارق على أراضيهم شمال البلاد، والإعلان عن تأسيس دولتهم الجديدة بعكس الإرادة الدولية، إضافة إلى ممارسات الأصوليين المحسوبين على الجماعات الجهادية التي تتبنى فكر القاعدة والمتحالفين مع جبهة تحرير أزواد الطارقية والمتمثلة أساسا في فرض تطبيق الشريعة بالقوة واستهداف أضرحة أولياء الصوفية، أثار عدة مخاوف وهواجس تتعلق بمستقبل المنطقة ككل في ظل الحديث غير المؤكد عن سيطرة الجماعات الأصولية على القرار وإقصاء جبهة تحرير أزواد الوطنية عنه.
الطوارق هم جزء من الشعوب المغاربية لأنهم على غرار هذه الشعوب خليط من الأمازيغ والعرب ينتمي أغلبهم إلى قبيلة صنهاجة ذات التاريخ العريق في بلاد المغرب. استوطنوا منطقة الصحراء الكبرى ومارسوا فيها التجارة من خلال قوافلهم وكانوا همزة الوصل بين البلاد المغاربية وإفريقيا جنوب الصحراء. قاوموا الإستعمار الفرنسي للصحراء الكبرى بشراسة ورفضوا مخططاته للهيمنة على ثروتي البترول واليورانيوم ما جعل باريس تحرمهم من إنشاء دولتهم و تقتسم أراضيهم بين بلدين مغاربيين وهو مآل طبيعي لهذه القبائل الصحراوية باعتبار الإنتماء العرقي والثقافي. وكذا بين مالي والنيجر حيث عانى الطوارق الويلات على مدى عقود.
إذ لم تلتفت دولتا مالي والنيجر إلى العناية بمناطق الطوارق شمال البلدين فعانت هذه القومية من التهميش رغم استنزاف ثرواتها من قبل حكومتي نيامي و باماكو. وانتهجت الدولتان الإفريقيتان سياسات عنصرية تجاه الطوارق متهمة إياهم بممارسة تجارة الرقيق التي استهدفت سكان إفريقيا جنوب الصحراء. فقتلت منهم الكثير واغتصبت وحرقت وسممت الآبار التي يرتوون منها بمعية دوابهم من ظمإ الصحراء على مدى عقود وسط تعتيم إعلامي لما يحصل تحرص عليه فرنسا التي تستنزف ثروات المنطقة. ما جعل الطوارق ينخرطون في جماعات مسلحة و يرفعون السلاح بوجه الحكومة المالية لينجحوا بالنهاية في تأسيس دولتهم في أزواد، ولا يمكن بأي من الأحوال التشكيك في قضيتهم العادلة رغم استغلالها من قبل قوى خارجية وإقليمية آخر اهتماماتها مصالح هذه القومية المضطهدة.
الدولة الوليدة في شمال مالي لا تحظى بدعم الجيران و لا المجتمع الدولي فالجزائر تحرص على أن لا ينجح طوارق مالي في تأسيس دولتهم حتى لا يطالب طوارق الجزائر بدولة مماثلة والمغرب يخشى على صحرائه الغربية من جبهة الوليساريو التي قد يشجعها انفصال طوارق مالي على العودة مجددا إلى ساحات الوغى عوضا عن طاولة المفاوضات. أما ليبيا والتي كانت مصدر سلاح جبهة تحرير أزواد - حيث دعم المقاتلون الطوارق في شمال مالي جبهتهم بأسلحة ومقاتلين من طوارق ليبيا- فإنها لا تبدو معنية بهذا الصراع في الوقت الراهن و تبدو مهتمة بترتيب بيتها الداخلي.
أما دول إفريقيا جنوب الصحراء فتتخندق مع فرنسا في جبهة الرفض لقيام دولة الطوارق في إقليم أزواد وعاصمتها تمبكتو وتستعد إلى جانب باريس إلى خوض معركة شرسة دعما للحكومة المالية من أجل استرداد إقليم أزواد. فمصلحة فرنسا تكمن في الحفاظ على الحدود الموروثة عن الحقبة الإستعمارية والتي خطتها وتلاعبت فيها بمصير القوميات وبخرائط دول رغبة في تحقيق مصالحها ولعل تونس والمغرب من أكثر الدول تضررا من هذا التقسيم الإستعماري للمنطقة والتلاعب بالخرائط الموروثة عن الحقبتين العثمانية والموحدية التي يعتبر الحفصيون في تونس امتدادا لها. فهذه الحدود هي التي تساعد باريس على الهيمنة على الثروات الطبيعية من اليورانيوم والنفط على وجه الخصوص بالتواطئ مع حكومات المنطقة خصوصا في باماكو و نيامي.
لذلك فإن فرنسا لن تتنازل عن مصالحها لترضخ إلى رغبات جيش تحرير أزواد. فالمسألة جد حيوية بالنسبة لها وهي مستعدة بحسب كثير من المراقبين إلى الذهاب بعيدا نصرة لحلفائها حكام باماكو. كما أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تخشى من تحول دولة أزواد الناشئة إلى أفغانستان جديدة يستقر بها مقاتلو القاعدة وينطلقون منها إلى رحاب القارة الإفريقية فالعالم، وهو ما يضعف من حظوظ هذه الدولة في الإستمرار خاصة إذا لم يفك المقاتلون الطوارق ارتباطهم بالجماعات الأصولية التي ظهرت في الواجهة بعد اختطافها لديبلوماسيين جزائريين في آيير بإقليم أزواد المستقل.
لكن في المقابل فإن بعض المحللين يؤكدون على أن هناك دورا خفيا لواشنطن ساهم في قيام دولة الطوارق في أزواد يندرج في إطار الصراع على النفوذ مع فرنسا في منطقة الساحل والصحراء الإفريقيتين وفي كامل أرجاء القارة السمراء. فمالي هي دولة الإرتكاز بالنسبة لفرنسا في منطقة الساحل والصحراء فهي همزة الوصل بين البلدان المغاربية ودول غرب إفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي وثرواتها الباطنية لا تحصى وهي أيضا قاعدة على غاية من الأهمية في حرب فرنسا على ما يسمى بالإرهاب وإضعافها بحسب هؤلاء المحللين هو إضعاف لنفوذ فرنسا في منطقة تريدها واشنطن قاعدة متقدمة لأساطيلها من خلال إنشاء الأفريكوم بدعوى محاربة الإرهاب تمهيدا للإستيلاء على ثرواتها الهائلة.
فإذا صح هذا الطرح فإن دولة الطوارق ستتحول رغما عن إرادة فرنسا ودول جوار مالي إلى أفغانستان جديدة تتدخل فيها واشنطن لاحقا بدعوى محاربة الإرهاب لوضع موطئ قدم في منطقة الساحل والصحراء بتعلة محاربة الإرهاب الدولي وتصبح مركزا لقاعدة الأفريكوم المزمع إنشاؤها. ويخشى كثيرون في هذه الحالة من تغلغل إسرائيلي في المنطقة تكون دولة الطوارق في شمال مالي محطته الثانية للهف ثرواتها الطبيعية وهي التي وضعت يدها على يورانيوم النيجر منذ بضعة عقود. فتحركات إسرائيل ارتبطت باستمرار بمناطق نفوذ لواشنطن على غرار ما حصل في جنوب السودان وفي منطقة بحر قزوين وتحديدا في سواحل أذربيجان الغنية بالنفط.