تشهد ليبيا عملية اقتراع للمرة الأولى منذ نهاية ستينات القرن الماضي تاريخ سيطرة القذافي على السلطة بعد الإطاحة بالملكية وذلك لاختيار أعضاء المؤتمر الوطني (المجلس التأسيسي) الذي ستعهد له مهمة صياغة الدستور الذي سيحدد شكل النظام وستنبثق عنه حكومة تسير البلاد إلى حين كتابة الدستور وإجراء انتخابات جديدة. وما يلاحظ هو اقتداء طرابلس بالمثال التونسي واستبعاد النموذج المصري الذي غرق في العشوائية وانتهاج المسارات الخاطئة حتى وصل به الأمر إلى إجراء انتخابات أدت إلى رئيس بلا صلاحيات يعمل دون برلمان منتخب يحقق التوازن بين السلطات.
لكن ما يخشى على التجربة الليبية هو استفراد جهة بعينها بالسلطة وإقصاء باقي المكونات والأطياف طرية العود إذ من المتوقع أن يصوت الليبيون بكثافة لحزب الحرية والعدالة ذو التوجهات الإخوانية الذي يبدو الأكثر تنظيما والأكثر قدرة على اكتساح صناديق الإقتراع. كما يخشى على التجربة الليبية لاحقا من تغول الحكومة المؤقتة على المؤتمر الوطني مصدر السلطات على غرار ما حصل في تونس حيث تتصرف الحكومة وكأنها في مرحلة عادية وليست في طور انتقالي تأسيسي تكون فيها جميع السلطات بيد المجلس التأسيسي الذي ساهمت أكبر كتلة نيابية في تهميش دوره من خلال غض الطرف عن أخطاء الحكومة والتبرير المستمر لهناتها.
ويشكك عدد كبير من المراقبين في قدرة ليبيا على النجاح في تنظيم هذه الإنتخابات في ظل الأوضاع الأمنية الهشة التي تعيشها البلاد فالميليشيات المسلحة لازالت تجوب البلاد وتسيطر على مناطق لم تتمكن حكومة الكيب ولا مجلس مصطفى عبد الجليل الإنتقالي من مد نفوذهما عليها. ومن المتوقع أن تخوض هذه الميليشيات نزاعات مسلحة فيما بينها للإستحواذ على أكبر قدر من السلطة كما يتوقع منها إجبار المواطنين على التصويت لهذا المرشح أوذاك. كما أن الحدود مع دول الجوار غير مؤمنة ويسهل اختراقها من أي تنظيم لا يؤمن بالديمقراطية ويكفر من يتخذونها سبيلا للوصول إلى الحكم. لذلك تبدو شفافية الإنتخابات ونزاهتها أمر صعب التحقق بالنسبة لهذا الشق المتشائم من المراقبين.
كما أن انزعاج أبناء الشرق من التقسيم غير العادل لمقاعد المجلس سيحد من فرضية نجاح هذه الإنتخابات. فقد تم منح إقليم برقة وعاصمته بنغازي سبعين مقعدا فيما نال الغرب مائة بينما quot;تفضلواquot; على إقليم فزان الجنوبي بثلاثين مقعدا وهو ما اعتبر أمرا غير عادل ودفع بسكان الشرق إلى الدعوة إلى الفيدرالية وحرق مقر اللجنة المشرفة على الإنتخابات ببنغازي التي انطلقت منها الشرارة الأولى للتمرد على نظام القذافي.
ويتوقع مراقبون أن يلقى إخوان ليبيا دعما منقطع النظير في هذه الإنتخابات من نظرائهم على حدودهم الشرقية والغربية على حد سواء ليتدعم quot;الهلال الإخوانيquot; في شمال القارة السمراء الذي تشقه الجزائر التي بقيت عصية على هذا المد الذي انطلق من تونس فمصر والمغرب وأخيرا ليبيا التي شكلت فيها الجماعة حزبا واستعدت قبل غيرها لخوض الإستحقاق الانتخابي.
ولعل عملية تسليم البغدادي المحمودي تدخل في هذا الإطار. فما يروج أن الحكومة التونسية قدمته للسلطات الليبية لتدعم حظوظ الفريق الذي يتفق عقائديا مع حركة النهضة خلال الإنتخابات الليبية. فتوقيت التسليم مدروس بدقة ولا يبدو أن الصدفة وحدها هي التي جعلت تونس تسلم المحمودي قبيل أيام من انتخاب الهيئة التأسيسية في ليبيا وهو أمر يتفق عليه أغلب المحللين.
لذلك فإن هذا الاستحقاق الإنتخابي سيكون اختبارا حقيقيا لقدرة ليبيا على الخروج من حالة الفوضى التي تعيشها البلاد منذ أشهر رغم أن النجاح في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وفي ظروف أمنية مستقرة ليس نهاية المطاف في مسار ترسيخ الديمقراطية ولعل الحالة التونسية هي أصدق مثال على ذلك.