الحدث الذي طغى على المشهد التونسي وخطف الأضواء، بعد إلغاء إضراب الإتحاد العام التونسي للشغل، كان قضائيا بامتياز. وتمثل في إعلان وزير العدل الأستاذ نور الدين البحيري عن إيقاف صخر الماطري صهر زين العابدين بن علي في دولة السيشال ومنعه من السفر خارجها في انتظار الإنتهاء من إجراءات تسليمه.
وأضاف السيد وزير العدل بأن الماطري quot;حل ركبهquot; بالدولة الإفريقية المذكورة قادما من قطر بعد أن تم طرده من الدوحة بقرار أميري. ليفهم من كلامه أن آل ثاني حلفاء حكام تونس الجدد وquot;أولياء نعمتهمquot; وفي إطار هذه العلاقات quot;الحميمية جداquot; التي تجمع القطريين بحركة النهضة قاموا بكل ما يلزم، حتى يتمكن أصدقاؤهم في تونس من تسلم صهر بن علي ومحاكمته واسترجاع الأموال المنهوبة.
إن الإيحاءات الواردة في تصريح السيد وزير العدل، والمشار إليها، والتي تلقفها أنصار النهضة على مواقع التواصل الإجتماعي لتلميع صورة حركتهم وحلفائها القطريين، فيها الكثير من المغالطات والإستبلاه للرأي العام الوطني الذي لم تعد تنطلي عليه هذه quot;الترهاتquot; الموجهة بالأساس لـquot;بسطاء القومquot; وquot;من في قلوبهم مرضquot; من المتعصبين للفريق الحاكم من quot;منطلق معيز ولو طارتquot;.
ولعل ما يمكن أن يستنتجه quot;العقلاءquot; من quot;أولي الألبابquot; من هذه الحادثة أن السيد صخر الماطري quot;حجquot; إلى جزر السيشال الخلابة من أجل الراحة والإستجمام من ضغط العمل وإرهاق الحياة في الدوحة التي يستثمر فيها أمواله ويشارك كبار قومها فيما يديرونه من استثمارات. وهو الذي اعتادت أسرة أصهاره على اختيار هذه الوجهة حين كانت ترفل في نعيم قصري سيدي الظريف و قرطاج.
وبما أن إسم الماطري مدرج في قائمة الأنتربول، وبما أن السيشال وجهة سياحية عالمية يقتات شعبها أساسا من هذا النشاط، فمن الطبيعي أن تدقق سلطاتها في قائمات الوافدين إلى ترابها وأن تتشدد على المستوى الأمني خشية من ولوج عناصر quot;إرهابيةquot; قد تستهدف مصالح وإستثمارات غربية تنتصب بهذه الرقعة الخلابة على تخوم القارة السمراء، الأمر الذي يجعل السيشال quot;تصاب في مقتلquot; - وهي التي لا موارد لها تستعيض بها عن النشاط السياحي- بفقدان ثقة وكالات الأسفار والقائمين على القطاع السياحي على المستوى الدولي.
لذلك تم التدقيق مع صخر الماطري خصوصا أنه حامل لجنسية دولة عربية وقادم من وجهة شرق أوسطية تثير الشبهات ndash; رغم أن ملامحه توحي بخلاف ذلك- فتم القبض عليه تمهيدا لتسليمه إلى بلاده التي وضعته على قائمة المطلوبين حتى قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011 وحتى قبل وصول حركة النهضة إلى الحكم وتشكيل الترويكا التي تولت مقاليد الأمور في باردو (مقر المجلس التأسيسي) وقرطاج (مقر القصر الرئاسي) والقصبة (مقر الحكومة).
أما الرواية الحكومية التي مفادها أن دولة قطر طردت صخر الماطري فلا أساس لها من الصحة. فالطرد quot;المزعومquot; تم الإعلان عنه منذ أشهر بمناسبة احتضان الدوحة لمؤتمر دولي يتعلق بالأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج والتي تخص دول ما يعرف بـquot;الربيع العربيquot;، وللإشارة فإن في قطر من هذه الأموال الشيء الكثير وتعود بالأساس إلى صخر الماطري نفسه المقيم بهذه الإمارة الخليجية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح أين كان صخر الماطري طيلة هذه الأشهر لو كان قد طرد بالفعل ndash; بحسب رواية قطر وحلفائها النهضويين- وغادر الأراضي القطرية مثلما تم الإعلان عنه؟ هل بقيت طائرته تحوم في الأجواء الدولية دون الحاجة إلى التزود بالوقود والغذاء على غرار المركبات الفضائية التي تجوب المجرات والسدم والأكوان الفسيحة في أفلام الخيال العلمي؟ أم هل أرسلوه إلى أحد قطبي أرضنا الكروية شمالا أو جنوبا حيث لا تطاله عين رقيب بشري وتعجز الأقمار الصناعية عن تحديد وجهته؟
لقد quot;حصل ما في الصدورquot; وسقطت الحكومة التونسية في امتحان جديد يتعلق بمصداقيتها أمام الرأي العام وهي التي اعتادت على ذلك. والمهم الآن هو التعجيل بتسلم صخر الماطري (الذي يبدو أن السيشال ستفرج عنه وسيعود أدراجه إلى الدوحة)، ليس من أجل العقاب والتشفي، وإنما من أجل استرجاع بعض من الأموال المنهوبة التي يبدو الإقتصاد الوطني اليوم بأمس الحاجة إليها. والكثير منها لدى أصدقاء حركة النهضة في الخارج ومن ذلك دولة قطر. فسواء كان الماطري مذنبا أو غير مذنب، فالمهم أن يعود ما قد يثبت أنه quot;إثراء بدون سببquot;، إلى خزينة الدولة ليذهب ريعه إلى الإستثمار في الجهات الداخلية المنكوبة التي لم يتغير حالها رغم مرور عامين على اندلاع شرارة الثورة التونسية.