تقترب الأزمة السورية من دخول عامها الثالث، رغم ذلك لا تبدو هناك مؤشرات فى الأفق لوضع نهاية لها، فالمعارضة فشلت في إسقاط النظام كما فشل النظام في القضاء على المعارضة، والحصيلة أكثر من خمسين ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى والمعتقلين، وملايين اللاجئين والنازحين في الداخل والخارج، وتدمير مدن وبلدات، وتمزيق النسيج الاجتماعي السوري لصالح الطائفية والمذهبية، وظهور أزمة إنسانية غير مسبوقة، عنوانها: التشرد والجوع وفقدان كل شيء. الأسئلة التي تطرحها نفسها هنا كثيرة، وهي من نوع: لماذا لم ينجح الحراك في سوريا على غرار ما جرى في تونس ومصر أو حتى السيناريو الليبي؟ وما سر العسكرة في الحالة السورية والتي شكلت مدخلا للقاعدة وغيرها من الجماعات المسلحة والجهادية التي نسفت المفهوم الثوري للحراك؟ ولماذا تراجع دور الجيش الحر لصالح الجماعات المسلحة السابقة؟ ولماذا تحولت الأزمة السورية إلى أزمة إقليمية ودولية لم يعد حلها ممكنا دون توافق بين هذا الأطراف ولاسيما روسيا وأمريكا؟ ولماذا صمد النظام في إدارة الأزمة على الأرض رغم حجم الضربات التي تعرض لها؟ أسئلة كثيرة تبدو في أحيان كثيرة لا أجوبة واضحة أو مقنعة لها، في تأكيد على مدى تعقيد الأزمة وتشعباتها وتداخلاتها مع العديد من القضايا الأخرى في المنطقة والعالم. لكن كل ما سبق لا يمنع من تسجيل مجموعة من الملاحظات والتي يمكن من خلالها فهم أسباب إطالة الأزمة على هذا النحو:
- الدور السلبي للعامل الخارجي: لقد كان للبعد الخارجي دور في غاية السلبية على الحراك السوري، فالعديد من القادة وعلى رأسهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان أعلنوا مرارا عن قرب سقوط النظام ، بل ان أردوغان تحدث بعد أشهر قليلة من الأزمة بلغة الفرص والأسابيع والتهديد بأنه لن يسمح بكذا وكذا... لكن الذي حصل ان شيئا من ما سبق لم يحصل، بل كانت لهذه التصريحات تداعيات سليية على الأرض، سواء لجهة بعث التفاؤل الزائف أو عسكرة الحراك أو دفع النظام إلى استخدام المزيد من القوة. ولاحقا أي بعد ان تحولت تركيا إلى حاضنة للمجموعات المسلحة وممرا لها، كثيرا ما دخلت هذه المجموعات وتحت التأثير التركي في معارك جانبية خاطئة، والتي كانت أخرها معركة رأس العين المستمرة إلى الآن، حيث تحول الصراع إلى صراع عربي ndash; كردي .
ndash; عجز المجتمع الدولي: إلى جانب الدور السلبي للخارج، ثمة عجز دولي في حل الأزمة السورية حربا أو سلما، فالفيتو الروسي ndash; الصيني عطل صدور أي قرار يسمح بالتدخل العسكري من جهة، كما ان تناقض المصالح الروسية ndash; الأمريكية إزاء سوريا المستقبل منع التوصل إلى أي اتفاق لتسوية الأزمة سياسيا من جهة ثانية.
ndash; الصراع الإقليمي: لا يخفى على المراقب ان الصراع بين تركيا وإيران على سوريا أخذ شكل صراع تاريخي صفوي ndash; عثماني، وفي الوقت نفسه صراع شيعي ndash; سني، وبسبب هذا البعد التاريخي والطائفي برز اصطفاف سياسي بات يشمل كل المنطقة على شكل محورين متصارعين، الأول يبدأ من طهران وينتهي في الضاحية الجنوبية ببيروت مرورا بعراق المالكي والنظام السوري، فيما الثاني يبدأ من اسطنبول ويمتد إلى دول الخليج العربي ولاسيما قطر والسعودية وصولا إلى ليبيا مرورا بمصر وتونس، ولعل أهم أهداف تركيا من وراء السعي إلى إسقاط النظام السوري فتح (كريدور جيوسياسي) في محور (الهلال الشيعي) لصالح إقامة (هلال سني) يكون النموذج التركي هو السائد فيه، وبما يؤدي إلى إفلاس النموذج الإيراني وانكفائه على نفسه في الداخل.
ndash; إلى جانب هذه العوامل الخارجية، ثمة عاملان داخليان لعبا دورا كبيرا في إطالة عمر الأزمة السورية.
الأول: يتعلق بالنظام وتركيبته الأمنية والعسكرية وقدرته على ممارسة العنف والسياسة معا، وهو ما جعله متماسكا قادرا على الحصول على كل أنواع الدعم والمساندة من الحلفاء.
الثاني: يتعلق بسلوك المعارضة السورية، فالمعارضة السورية (الائتلاف ومن قبل المجلس الوطني) أظهرت نفسها وكأنها أداة بيد تركيا مرة وأخرى بيد قطر وثالثة لأمريكا ورابعة لفرنسا..، فيما المعارضة المسلحة في الداخل (الجيش الحر) تراجعت دورها لصالح جبهة النصرة التي اثارت راياتها السود المخاوف ليس في الداخل السوري فحسب، بل وفي الخارج وهو ما دفع بالبيت الأبيض إلى وضعها على قائمة الإرهاب، والحد من تدفق الأسلحة إلى المجموعات المسلحة.
ndash; إلى جانب ما سبق، لم ينجح الحراك السوري في بلورة قوى سياسة لها برامج واضحة ومؤثرة في الشارع وقادرة على جذب مكونات المجتمع السوري، بل ظلت سمة التشتت والارتجالية وفي كثير من الاحيان الطائفية والمناطقية هي السائدة. السؤال الذي يطرح نفسه في ظل ما سبق، الأزمة السورية إلى أين؟ ثمة قناعة راسخة بأن التدخل العسكري في الأزمة غير مطروح على طاولة البيت الأبيض، لا بسبب الفيتو الروسي ndash; الصيني فحسب بل لأن الإدارة الأمريكية في عهد أوباوما تقول ان زمن خوض الحروب في الخارج أنتهى ، ولعل ما يعزز هذه القناعة في الحالة السورية هو تعين السيناتور جون كيري وزيرا للخارجية، وهو كان من أشد الداعين إلى الحوار مع النظام السوري في الفترة السابقة حيث زار سوريا مرارا، ولعل الفرضية السابقة تفسر لنا الحديث الجاري عن وجود لعبة دولية مفادها:
وقف الدعم عن المعارضة السورية وصولا إلى الحد من صعودها وتجفيف منابعها، انطلاقا من قناعة دولية بأن النظام يستطيع الحفاظ على المصالح الدولية أكثر من معارضة باتت تقودها وتتحكم بها جبهة النصرة والجماعات الجهادية ...، ولعل الفرضية ذاتها تعزز من القناعة بأن ثمة تسوية روسية ndash; أمريكية من وحي اتفاق جنيف قد تظهر إلى العلن في الأيام المقبلة على وقع المباحثات والاجتماعات المكثفة بين الجانبين، اتفاق ان تم فسيكون منعطفا في أزمة تنقل البلاد إلى مرحلة جديدة.