يحتار المرء عندما يحاول أن يفهم سياسة رجب طيب أردوغان الكردية، فالرجل الذي يتميز بكاريزما سياسية قوية وضعته في مرتبة السلاطين، يتخيل لك في لحظة ما أنه جاد في إيجاد حل سلمي للقضية الكردية انطلاقا من رؤية استراتيجية تتعلق بتركيا المستقبل ولكنك سرعان ما تجده ينسف هذه القناعة لديك عندما يذهب إلى عكس الاتجاه إلى درجة أنه في لحظة ما ينكر وجود هذه القضية في الأساس ويزاود على العسكر في النهج الأمني. وحقيقة من يتابع سياسة أردوغان الكردية لا بد ان ينتهي إلى جملة من المفارقات القاتلة، لعل أهمها :
1- عندما يزور أردوغان المناطق الكردية ولاسيما مدينة دياربكر لا يتوانى عن الحديث بأن القضية الكردية في تركيا هي قضيته الخاصة، وأنها قضية الديمقراطية في البلاد، وأنه سيحلها بالطرق السلمية، ولكن سرعان ما ينكر في مناسبة أخرى ( قد يكون بين المناسبتين أيام قليلة فقط ) وجود قضية كردية في تركيا ويختزل الأمر في وجود مشكلات يعانيها مواطنون من اصل كردي كما قال قبل فترة.
2- لا يتواني أردوغان عن رفض أي حوار مع حزب العمال الكردستاني ويصفه بالإرهاب، كما يصف زعيمه عبدالله أوجلان بقاتل الأطفال والأمهات، ولكنك سرعان ما تكتشف أنه كلف رئيس استخباراته العامة هاكان فيدان بالحوار مع أوجلان، وسبق أن أجرى فيدان بتكليف من أردوغان محادثات سرية مع قادة من حزب العمال الكردستاني في بروكسل. وثمة طرفة حصلت في الأيام الماضية، وهي أنه عندما أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند انه على معرفة بأحدى الناشطات الكرديات اللواتي تم اغتيالهن في باريس شن اردوغان هجوما عنيفا على أولوند طالبا منه معرفة سبب معرفته بـ ( إرهابية - الناشطة الكردية فيدان دوغان ) وهو ما دفع بزعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو إلى الطلب من أردوغان بيان سبب إرسال رئيس استخباراته إلى أوجلان في السجن والقول له ( وأنت مع من تحاور ؟).
3- لا يتواني أردوغان عن القول بإنه سيحل القضية سلميا ويطلب من أوجلان وحزبه التجاوب مع جهوده ولكنه يصر على عدم وقف الغارات الجوية التي تقوم به طائراته الحربية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني داخل تركيا وخارجها فضلا عن حملات التمشيط العسكرية المستمرة، ويقول للأكراد إن من لا يعجبه هذا الوطن فليذهب إلى وطن أخر.
4- لا يتوانى أردوغان عن إظهار الدعم لأكراد العراق وحقوقهم وزيارة أربيل عاصمة لإقليم كردستان وفتح قنصلية تركية هناك واستقبال قادة الإقليم بالسجاد الأحمر في أنقرة، ولكنه يرفض الاعتراف بأي شكل من اشكال الحقوق الذاتية لأكراد تركيا علما أن عددهم يزيد باضعاف عن أكراد العراق، بل ان عددهم في تركيا يزيد عن أعداد الأكراد في العراق وسوريا وإيران مجتمعة.
5ndash; يقول أردوغان للأكراد انه يريد حزب سياسي كردي معتدل من أجل الحوار، وأنه يريد ان يكون للنواب الأكراد الممثلين في البرلمان جسرا للحوار من أجل حل القضية الكردية سلميا، ولكن ما أن يتشكل حزب سياسي كردي علني حتى يتم حظره، وما أن يتحدث نائب كردي في البرلمان عن القضية الكردية حتى يتم تحريك دعاوى ضده أمام القضاء لرفع الحصانة عنه و وضعه في السجن، وقد وصل الأمر بأردوغان قبل نحو شهر الطلب من البرلمان رفع الحصانة عن عشر نواب أكراد دفعة واحدة، تمهيدا لمحاكمتهم ووضعهم في السجن بحجة أنهم يروجون لحزب العمال الكردستاني وعلى علاقة به.
6ndash; يقول أردوغان انه سمح التعلم باللغة الكردية والبث بها، ولكنه يشترط هذا الحق كحق تعلم أي لغة أجنبية في البلاد، مثلها مثل اللغة الانكليزية والفرنسية وليست كلغة أم لشعب أخر له هوية ثقافية وقومية مختلفة، ويقول إنه سمح البث التلفزيوني باللغة الكردية ولكنه يحصرها في إطار قناة تلفزيونية رسمية تبث نفس الأخبار التي تبثها القنوات الحكومية التركية. 7ndash; لا يتواني أردوغان في الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الشعوب والأقليات، من الويغور في الصين إلى المسلمين في بورما وصولا إلى الشعوب العربية المنتفضة في وجه الحكام، ولكن سرعان ما يتبخر هذا الدفاع الإنساني عن الحقوق عندما يتعلق الأمر بالشعب الكردي في تركيا والذي قدم عشرات آلاف الشهداء دفاعا عن حقوق مشروعة أقرتها الشرائع والقوانين والمعاهدات الدولية وديباجة الأمم المتحدة. هذه بعض مفارقات سياسة أردوغان الكردية، والتي مع استمرارها من الصعب تصور التوصل إلى حل سلمي للقضية الكردية رغم أنها أرهقت البلاد أمنا واقتصادا وسياسة، وأهم من ذلك العباد الذين باتوا يقولون وبلسان واحد، ومن الاكراد والأتراك معا : يكفي سفك الأرواح والدماء والدموع. وحقيقة دون وقف سفك مسيرة الدماء والدموع، فان عنوان سنوات الضياع سيبقى العنوان الأبرز لعلاقة تركيا بأكرادها.