على وقع التصريحات الإسرائيلية المتصاعدة بهجوم وشيك على إيران لا يتوقف حركة المسؤوليين الأمريكيين إلى إسرائيل والإعلان عن دعمها وتقديم المزيد من المساعدات العسكرية لها، لكن مع ndash; رجاء أمريكي بسيط ndash; وهو عدم تنفيذ هذا الهجوم في الوقت الحالي والتأكيد على أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بحيازة أسلحة نووية.
في الجدل بشأن هذا الهجوم، ثمة تباين قوي بين الجانبين، ولعل مرده القناعة الإسرائيلية التي تقول ان البرنامج النووي الإيراني دخل مرحلة الحسم والحصانة واللاعودة وبالتالي ينبغي تدميره عسكريا، في حين يقابله الموقف الأمريكي الذي يراهن على العقوبات التصعيدية لتغيير النظام الإيراني من داخل طهران وبالتالي الوصول إلى النووي الإيراني من خلال المفاوضات، وفي جميع الحالات فان واشنطن وبحكم أسلحتها النوعية ترى أنها قادرة على وضع نهاية للنووي الإيراني حتى لو نجحت طهران في صنع قنبلة نووية، وفي ظل هذا التباين من الواضح ان عامل الانتخابات الرئاسية الأمريكية دخل بقوة في جدل الحسابات، فعلى الأقل لا يريد أوباما خسارتها بسبب هذا الملف الشائك. نتانياهو يريد ضربة عسكرية برعاية أمريكية مباشرة أن لم تكن بمشاركة واشنطن نفسها، فهو يدرك تعقيدات الملف النووي الإيراني وصعوبة تدميره على غرار الملف النووي العراقي، حيث البعد بين المفاعلات وكثرتها وربما ضعف المعلومات بشأن التحصينات، وبالتالي نوعية الأسلحة المطلوبة لتدميرها، والأهم حسابات الرد الإيراني الذي قد يكون كارثيا على إسرائيل، إذا ما حسبنا رد الفعل المتوقع من حزب الله في جنوب لبنان وقدرته على اطلاق الآف الصواريخ إلى العمق الإسرائيلي.
لكن على الرغم من كل ذلك، فان ثمة قناعة إسرائيلية بأن الضربة باتت لا محالة، ولعل اهم وأخطر التصريحات الإسرائيلية في هذا المجال، تلك التي أعلنها رئيس هيئة الاستخبارات الأسبق الجنرال اهارون زيئفي عندما قال ان الضربة ستكون خلال الأسابيع القليلة المقبلة،وهذا عمليا أول تصريح إسرائيلي يحدد موعدا للضربة.
بموازاة هذه التصريحات، تقول الصحافة الإسرائيلية ان خبراء الحرب الإسرائيليين يتسابقون على وضع سيناريوهات الحرب، ومعها بورصة الخسائر البشرية، والعدد الافتراضي للصواريخ التي ستنهال على إسرائيل والتداعيات على الجبهة الداخلية والمواقف الدولية، لتنتهي إلى خلاصات ثلاث. الأول: ان الزمن لم يعد لصالح إسرائيل بل لصالح النووي الإيراني، وان أسلوب العقوبات لن يؤدي إلى نتيجة وأن التردد الأمريكي لا ينبغي ان يكون على حساب أمن إسرائيل وأولوياتها، وعليه فان الضربة باتت أكيدة في ظل حكم نتانياهو . الثاني : التأكيد على ان الخسائر البشرية لإسرائيل ستكون محدودة وفي أسوأ الحالات لن تتجاوز 300 قتيل حتى لو سقطت آلالاف الصواريخ من إيران وجنوب لبنان على إسرائيل بحكم الاستعدادات التي اعدتها إسرائيل لهذا الأمر من بناء وملاجئ وعتاد وجهوزية. الثالث: ان إسرائيل بعد الضربة ستكسب مواقف سياسية لا تقدر بثمن ومساعدات مالية هائلة ولاسيما من أوروبا، فضلا عن أنها ستصبح الدولة التي لها اليد العليا في رسم الشرق الأوسط الجديد.

مقابل ما سبق، ثمة من يرى ان الفجوة بين الموقفين الإسرائيلي والأمريكي كبيرة بخصوص الضربة، وقد ظهر ذلك جليا خلال زيارة وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا إلى إسرائيل مؤخرا،وان هذا التباين سيؤخر الهجوم الإسرائيلي، وذلك بسبب الرفض الأمريكي للتوقيت، إذ أن أية ضربة إسرائيلية في هذا التوقيت ستضر بمساعي اوباما في فرصة رئاسية ثانية، فضلا عن ان الهجوم دون موافقة أمريكية قد يؤدي إلى ضرر استراتيجي في العلاقات بين الجانبين، فيما إسرائيل لا تتخيل نفسها دون الدعم الأمريكي والحماية الاستراتيجية لها.
بغض النظر عن هذا الجدل، فان اللافت هنا، هو نجاح إسرائيل في وضع النووي الإيراني في قلب معركة الحملات الانتخابية الرئاسة الأمريكية بعد ان كانت هذه الحملات تركز على الحاجات الداخلية للناخب الأمريكي وتطلعاته، فالمرشح الجمهوري ميت رومني جاء بنفسه إلى إسرائيل ليعلن منها عن تأييده لضربة إسرائيلية للنووي الإيراني، وأوباما اضطر في مثل هذه الظروف إلى إقرار رفع مستوى التعاون الأمني مع إسرائيل وتقديم مساعدات عسكرية جديدة لها لتطوير قدرات منظومتها الصاروخية، بمعنى اخر فان النووي الإيراني أصبح في صلب السياسة الخارجية الأمريكية انتخابيا، وهو ما يعني ان القادم إلى البيت الأبيض بغض النظر ان كان أوباما أو رومني سيجد نفسه وبشكل تلقائي أمام الانتقال من استراتيجية العقوبات والتصعيد الدبلوماسي تجاه إيران إلى التحرك العملي ضدها، سواء بشكل مشترك مع إسرائيل أو دونها كما تريد الأخيرة.