لماذا اختار رجب طيب اردوغان غريمه نعمان كورتولمش رئيس حزب الشعب الإسلامي أو ما يعرف بالحزب الخاص خلفا له في زعامة حزب العدالة والتنمية؟ ولماذا لم يختار أردوغان شخصيات قيادية بارزة في حزبه مثل نائبه بولنت ارينج و وزير خارجيته احمد داود اوغلو لهذا المنصب؟ وما هي تداعيات هذه الخطوة على حزبي العدالة والتنمية والحزب الخاص؟ والأهم ما هي الدوافع الشخصية لاردوغان من وراء هذه الخطوة؟
دون شك، خطوة اردوغان هذه لها علاقة مباشرة بالانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2014 والتي بدأ يستعد لها مبكرا، وإلى حين ذلك يدرك اردوغان ان ثمة معضلات حقيقية تقف أمام طموحه في الوصول إلى قصر تشانقاي الرئاسي. ولتحقيق هذا الهدف يرى اردوغان انه لا بد من ترتيب بيته الداخلي أي صفوف حزب العدالة والتنمية وبناء تحالفات حزبية جديدة في ظل المعارضة لسياساته من داخل البرلمان وصولا إلى إقرار دستور جديد للبلاد يقر بنظام رئاسي قوي على الطريقة الأمريكية كما يطمح اردوغان.
في الواقع، لا يمكن فهم ما جرى دون العودة إلى العام 1999 أي تاريح حل حزب الرفاه الذي كان يقوده مؤسس الإسلام السياسي التركي نجم الدين اربكان،عندها حاول اربكان ( توفي قبل أشهر) تأسيس حزب الفضيلة لكن سرعان ما أكتشف عن محاولة انقلابية ضده من داخل الحزب يقودها كل من اردوغان وغل وارينج والتي أنتهت بانشقاق الثلاثة ليعلنوا لاحقا عن تأسيس حزب العدالة والتنمية وتم الاعلان عنه رسميا عام 2001. خلال هذه الفترة برز القيادي نعمان كورتولمش خصما عنيدا لاردوغان وسياساته من داخل حزب السعادة الذي تم تأسيسه بعد حظر حزب الفضيلة، وسرعان ما صعد نجمه السياسي إلى درجة انه قاد انقلاب سياسي ضد رجائي كوتان زعيم الحزب ومن خلفه اربكان الأب الروحي لهم جميعا، فاستطاع ان يصل إلى زعامة الحزب والبقاء فيه لمدة أربعة أعوام قبل ان يخسر زعامة الحزب، وبسبب ذلك أعلن ان تشكيل الحزب الخاص، متعهدا بالتصدي لسياسات اردوغان وكشف حقيقته أمام الشعب ورفض سياسة التبعية للغرب واحتكار السلطة والتفرد بالقرار ورفض الآخر، واصفا أياه بالفرعون.
وعليه، فان اختيار اردوغان لهذا الغريم في زعامة حزب العدالة والتنمية كانت مفاجئة كبيرة أذهلت الجميع، وأدت إلى حدوث انشقاق فوري في الحزب الخاص عندما أعلن قطبه محمد بكار أوغلو ومعه مجموعة من القادة رفضهم لخطوة الانضمام إلى حزب العدالة والتنمية.
من يقرأ تاريخ كورتولمش سيرى ان الرجل يطمح على الدوام إلى النجومية السياسية، ولعل تحالفه مع أربكان وكوتان في مواجهة اردوغان- غل، ومن ثم الانقلاب على حزب السعادة وتأسيس حزبه الخاص باسم معاداة الفرعون اردوغان، وأخيرا الانقلاب على حزبه الخاص من أجل زعامة حزب العدالة والتنمية الحاكم يؤكد طبيعة هذه الشخصية المغامرة والطموحة معا. في المقابل فان طموحات اردوغان تبدو أكثر قوة وجموحا، وهي تقترب من حلم العودة إلى سياسات الباب العالي من بوابة قصر تشانقاي، ولعل الرجل يريد هنا تأمين أغلبية برلمانية وشعبية تتيح له وضع دستور جديد للبلاد سواء من خلال تمريره في البرلمان أو الاستفتاء عليه من قبل الشعب بعد ان اصطدمت مساعية بمطالب المعارضة المتمثلة بحزب الشعب الجمهوري والحركة الكردية التي تقول الاعتراف بمطالبنا قبل وضع دستور جديد. لقد اختار اردوغان كورتولمش ليكون الحصان الجديد لحزب العدالة والتنمية في المرحلة المقبلة، وقد جاء ذلك في ظل تقارير أشارت إلى ترهل معظم قادة الحزب، فضلا عن ان قوانينه تمنع تسلم المناصب القيادية أكثر من ثلاث دورات وهو ما يعني ان معظم قادته لم يعد بإمكانهم شغل هذه المناصب دون تعديل قوانين الحزب. وإلى أن يتضح تأثير هذه الخطوة على حزب العدالة والتنمية سلبا أو إيجابا فان السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو من يضمن ان لا ينقلب كورتولمش وهو في زعامة العدالة والتنمية على اردوغان؟