على الرغم من ان تركيا لم ترد بشكل مباشر على اسقاط الدفاعات الجوية السورية لطائراتها اف -4 ولجأت إلى الحلف الاطلسي لبناء موقف داعم لها، الا ان نشر أنقرة قوات وأسلحة من بينها بطاريات صواريخ في المنطقة الحدودية الممتدة من حدود لواء اسكندرون إلى محافظة الرقة السورية أثار هواجس المواجهة بين الجانبين، خاصة بعد تهديدات اردوغان بأن أي تحرك عسكري سوري في المنطقة الحدودية سيتم التعامل معه كهدف،حيث الحدود الطويلة المشتركة بين البلدين والتي تقارب نحو تسعمائة كليومترا.السؤال الذي يطرحه الجميع، ما هو هدف تركيا من نشر هذه القوات؟ لا يخفى على المراقب ان ثمة إشكالية في محاولة فهم الدوافع التركية من هذه الخطوة، ولعل سبب ذلك يعود للموقف التركي من الأزمة السورية منذ البداية، والذي تراوح بين التصعيد والتهدئة، بين التهديد بالويل إذا حصل كذا وكذا.. ثم الوقوف موقف المتفرج إزاء كل ما حصل من قتل وتدمير فظيعين.مع الإقرار بأن نشر هذه القوات في المنطقة الحدودية يعني إقامة ممر أمني على أرض الواقع وبما يشكله هذا الممر من زيادة جرعة الدعم التركي للمعارضة السورية المسلحة وتحديدا الجيش الحر، الا ان الاختلاف بشأن الهدف التركي من نشر القوات في المنطقة الحدودية يبقى سيد الموقف.
قسم من المحللين السياسيين الأتراك يرون ان هذه الخطوة رمزية وهي تدخل في إطار الحرب النفسية، فضلا عن الاستعداد والجهوزية بعد اسقاط الطائرة التركية ومن قبل تعرض الداخل التركي وتحديدا مخيمات اللاجئين السوريين هناك لنيران الجيش السوري، بمعنى أخر ان هذه الخطوة لا تدخل في إطار الاستعداد لشن هجوم على الجيش السوري وانما في إطار تداعيات اسقاط الطائرة وتبعاتها، فيما يرى قسم أخر أن التحرك العسكري التركي على الحدود يحمل معه سيناريو المواجهة العسكرية، وان حادثة الطائرة نقلت المواجهة بين الجانبين إلى حيز التنفيذ، وان ما يمنع التحرك التركي ليس حسابات المواجهة مع سورية وانما الخوف من المواجهة مع إيران وروسيا، اللتين تتربصان بالموقف التركي دعما للحليف السوري، ولكن كل ذلك لن يغير الموقف التركي من مواصلة الجهود لاسقاط النظام السوري بعد ان بلغت العلاقات بينهما نقطة اللاعودة. في الواقع ، لا يمكن النظر إلى نشر أنقرة لقواتها على الحدود السورية على أنها مجرد حرب نفسية بقدر ما هو إقامة ممر أمني على أرض الواقع يحمل معه سيناريو إقامة منطقة أمنية عازلة،وفي الوقت نفسه احتمالات الاشتباك والصدام المباشر إذا ما علمنا ان قوات حرس الحدود السورية ndash; وهو غير الجيش - منتشرة في المنطقة الحدودية مع تركيا، وان أي احتكاك أو اشتباك هناك قد يفجر المواجهة المؤجلة بين الجانبين خاصة وان تركيا تراهن على ان الموقف الغربي سيتطور في المرحلة المقبلة إلى شكل من اشكال التدخل العسكري ضد النظام السوري. في الواقع، للحشود التركية مع سورية قصص وتواريخ، ففي عام 1958 حشدت تركيا قواتها على الحدود السورية رفضا للوحدة بين سورية ومصر، لكن الحشد العربي خلف الموقف السوري منع تطور الموقف التركي أكثر من ذلك. وفي عام 1998 حشدت تركيا قوات ضخمة في لواء اسكندرون ومن هناك هدد سليمان ديميريل ومسعود يلماظ ومعهم جنرالات الجيش بقصف دمشق على خليفة احتضانها ودعمها لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان قبل ان يرى الأخير نفسه في إدخال كينيا ويتم القبض عليه بمساعدة الموساد. مع ان الظروف مختلفة اليوم وقواعد اللعبة تغيرت، الا ان السؤال يبقى عن هدف تركيا من حشد قواتها على الحدود السورية، على نحو هل سيبرد الموقف التركي في لحظة ما كما حصل عام 58 تحسبا لتداعيات الموقفين الروسي والإيراني وليس العربي هذه المرة؟ أم ان الرؤوس الحامية في أنقرة ستضع دمشق أمام سيناريو 98 مع اختلاف الظرف والموضوع، فمصداقية الدور التركي أصبحت على المحك؟
- آخر تحديث :
التعليقات