رغم ان الأزمة السورية باتت الحدث اليومي على جدول أعمال السياسة الدولية شرقا وغربا، وعلى الرغم من قرب دخولها شهرها السادس عشر الا أنها تبدو أمام معضلة الحل، فلا الاصلاحات التي اجراها النظام نجحت في فتح حوار عملي مع المعارضة التي باتت ترفض الحوار معه وتصر على إسقاطه عنفا أو سلما، ولا النهج الأمني للنظام نجح في وأد الاحتجاجات على غرار ما جرى للثورة الخضراء في إيران.
وعلى المستوى الخارجي فان الأزمة التي تحولت إلى حرب دبلوماسية ساخنة بين روسيا والصين من جهة والدول الغربية من جهة ثانية عجزت أطرافها حتى الآن في التوصل إلى صيغة اتفاق للحل، نظرا لاختلاف حسابات كل طرف ومصالحه، وعلى المستوى الإقليمي تحولت الأزمة في العمق إلى حرب طائفية بين إيران وعراق المالكي من جهة وتركيا ودول الخليج العربي من جهة ثانية، أدت إلى حالة من الاصطفاف السياسي وأحيانا إلى قنابل أمنية وسياسية تنفجر هنا وهناك، كما هو الحال في العراق ولبنان، وعلى خلفية كل هذه التحولات والمعطيات تبدو الأزمة وكأنها باتت خارج سياق ما سمي بالربيع العربي وأقرب إلى صراع محلي وإقليمي ودولي متعدد المستويات والأطراف لرسم خريطة الشرق الأوسط من جديد، ولعل ما جعل الأمور تسير على هذا النحو،هو الموقع الجيوسياسي لسورية في خريطة العلاقات الدولية وعلاقة النظام بالملفات الإقليمية الحساسة التي شغلت المنطقة طوال العقود الماضية.
مع وصول الأزمة السورية إلى هذه النقطة الحساسة تبرز أهمية خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان بنقاطها المعروفة أكثر من أي وقت مضى الا أن معضلة هذه الخطة، هي أنها لم تنجح وبعد أشهر من العمل بها في تحقيق البند الأول منها، أي وقف العنف، وهو ما يكشف صعوبة حل هذه الأزمة سياسيا، في وقت تتحول فيه المدن السورية إلى ساحات معارك ومواجهات بين الجيش النظامي والجيش الحر، حاصدة مئات القتلى والجرحى يوميا، وهكذا باتت الأزمة السورية أزمة اخلاقية في السياسة الدولية التي تلتزم المصالح والاستراتيجيات قبل أي شيء أخر.
وعليه، فانه في ظل مراوحة خطة عنان مكانها تبدو الجهود الدولية وكأنها تبحث عن صيغة أخرى للتعاطي مع الأزمة السورية، فروسيا دعت إلى عقد ما يشبه مؤتمر دولي بحضور القوى الإقليمية ( تركيا، إيران ، ودول الخليج العربي ) مع إبداء نوع من المرونة بشأن مرحلة انتقالية في إطار الحل السياسي، في حين طالبت فرنسا بتشكيل مجموعة اتصال دولية جديدة، فيما لا تبدي الولايات المتحدة تحمسا تجاه هذه المبادرات، مكتفية بإشهار سياسة تشديد العقوبات الاقتصادية وإدراجها تحت الفصل السابع، وهي في كل هذا تبدو وكأن لها روزنامتها الخاصة، تمضي أيامها على وقع انتظار ساعة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولكن كل ذلك لا يعني أن الإدارة الأمريكية لا تحضر للحل الأخر، أي الحل العسكري حيث من الواضح ان جهدها تنصب في مسارين، الأول انضاج الحل العسكري على خط واشنطن ndash; أنقرة : كي تكون تركيا بوابة للحل العسكري في اللحظة التي تقرر فيها الإدارة الامريكية ذلك، سواء بقرار دولي أو من دونه. والثاني: إلى حين انضاج هذا الحل فان الجهد يتركز على تغيير موقف موسكو ودفعها إلى الانخراط في حل انتقالي على الطريقة اليمنية كما بدا جليا من المحادثات التي اجراها الموفد الأمريكي فرديك هوف في موسكو مع المسؤولين الروس. وعليه، من الآن وإلى حين موعد الانتخابات الأمريكية تبدو الولايات المتحدة وكأنها بصدد أعطاء الدور للجهد الروسي في انجاز حل سياسي سواء على طريقة الحل اليمني أو أخر قريب منه ، فهي لا تجد ضيرا من أن تكون موسكو عرابة لمثل هذا الحل كما كان الأمر بالنسبة لدول الخليج بشأن الأزمة اليمنية.
وإلى حين انضاج هذه الجهود فأن المعركة المقبلة تنصب تجاه كيفية صوغ الشكل السياسي للمشهد السوري المستقبلي حيث تتضارب الاستراتيجيات والمصالح، وإذا كان الثابت ان الروس والعديد من الدول الأخرى لا يريدون طغيان الأخوان المسلمين في المشهد السوري المقبل فان هذا التضارب يؤخر التوصل إلى صيغة اتفاق خاصة وأن المعارضة السورية في الداخل ضعيفة وفي الخارح منقسمة وليست لديها مؤسسات حقيقية في الداخل.
معطيات ربما من شأنها دفع الدول الكبرى والإقليمية إلى توحيد جهودها لوضع الأزمة السورية على مشارف حل دولي، وهو حل عادة يتناسب والأزمات المستعصية، وغير ذلك فأن الأزمة ستظل تحصد ارواح السوريين في أنتظار الانتخابات الأمريكية.