مع تصاعد الجدل بشأن اعداد دستور جديد في تركيا، وانتظار معرفة قرار المحكمة الدستورية مطلع الشهر المقبل بشأن مدة ولاية رئيس الجمهورية، تبدو تركيا أمام صيف سياسي ساخن .
وسط الجدل بشأن القضيتين، ليس خافيا على أحد ان حلم اردوغان بالجلوس في قصر تشانقايا الرئاسي يكتنفه الكثير من الغموض والاحتمالات والسيناريوهات، وفي الأساس،عندما دعا اردوغان قبل فترة إلى وضع دستور جديد للبلاد كان يطمح للوصول إلى هذا المنصب بنظام رئاسي قوي على غرار الرئاسة الأمريكية أو الفرنسية،على اعتبار ان مثل هذا الدستور هو استحقاق طبيعي لصعود مسيرة اردوغان السياسة، كزعيم شعبي يحظى بالمزيد من الكاريزما حيث يرى اردوغان ان مثل هذا الدستور سيسمح بتحقيق أمرين. الأول : إعادة ترتيب البيت الداخلي التركي . والثاني : إعطاء دفع قوي للسياسة الخارجية التركية في كيفية التعامل مع قضايا الخارج وتحقيق الطموحات التركية الإقليمية والدولية.
إذا أقرت المحكمة العليا العمل بالقانون الجديد، أي تقصير مدة الولاية من 7 سنوات إلى 5 وعبر انتخابات من الشعب مباشرة وليس البرلمان، فهذا يعني ان تركيا ستشهد انتخابات رئاسية خلال الشهرين المقبلين، وهنا يصبح اردوغان أمام خيارين . الاول : عدم الترشح للانتخابات الرئاسية وهذا لايوافق المعطيات السياسية التي خلقها اردوغان، ونظرا لأن الفرصة قد تكون غير متوفرة له لاحقا إذا ما علمنا ان الانتخابات اللاحقة ستكون في عام 2017 خاصة وان تقارير تحدثت ان اردوغان مصاب بمرض السرطان . الثاني : الترشح وهذا يعني الاستقالة من حزب العدالة والتنمية ومن رئاسة الحكومة ، ومثل هذا الأمر بات يثير جدلا كبيرا في صفوف حزب العدالة والتنمية، نظرا لأن القوانين الداخلية للحزب تمنع ترشح العضو لولاية رابعة في البرلمان، وإذا ما علمنا ان معظم قادة العدالة أصبح لهم ثلاث ولايات في البرلمان ، فهذا يعني ان الحزب سيشهد فراغا لجهة وجود القادة الكبار في صفوف قيادته، وهو ما قد يعرضه لنكسة سياسية على غرار ما حصل مع أحزاب الوطن والأمة والشعب الجمهوري... خلال العقود السابقة . أما في حال قررت المحكمة العليا الإبقاء على القانون القديم فهذا يعني ان الانتخابات الرئاسية المقبلة ستجري في العام 2014 ، وهذا الموعد يثير جدلا كبيرا داخل حزب العدالة والتنمية، وتحديدا لجهة العلاقة بين رجب طيب اردوغان والرئيس عبدالله غل الذي يطمح إلى ولاية ثانية، وإذا رشح الأخير نفسه إلى ولاية ثانية فان فرصة اردوغان في الوصول إلى قصر تشانقاي تصبح بعيدة وربما غير ممكنة، وفي خضم هذا الجدل برز من يتحدث عن احتمال تكرار سيناريو فلاديمير بوتين ndash; ديمتري مديفيدف، أي اتفاق جنتل من تحت الطاولة يصل اردوغان إلى الرئاسة مقابل عودة عبدالله غل إلى رئاسة الحكومة وحزب العدالة والتنمية.
في انتظار القرار النهائي للمحكمة العليا فان تركيا تعيش حالة من الهدوء السياسي الذي يسبق العاصفة بعد سنوات من الاستقرار السياسي في عهد حزب العدالة والتنمية وضعف المعارضة السياسية، ولعل ما يزيد من عوامل الانفجار السياسي هو الجدل الكبير بشأن وضع دستور جديد للبلاد، فالدستور المنشود يواجه بعقبتين. الأولى: القضية الكردية إذ يقول لسان حال الأكراد في تركيا حقوقنا ( الاعتراف دستوريا بالأكراد وإقرار حكم ذاتي لهم ) قبل الدستور الجديد، وهو ما لا يستطيع اردوغان الاقدام عليه لأسباب كثيرة لايتسع المجال هنا لذكرها . والثانية : رفض المعارضة لأي دستور يتوج اردوغان في قصر تشانقاي بصلاحيات رئاسية شبه مطلقة تجعل منه سلطانا جديدا او ديكتاتورا في بلد ينتمي إلى العالم الثالث رغم تطوره نسيبا عن الدول العربية والإسلامية. قرار المحكمة الدستورية المنتظر سيلعب دورا حاسما في تحديد مسار هذا الجدل، وبالتالي السيناريوهات المطروحة والاستقرار السياسي في تركيا فيما تبقى عيون اردوغان مشدودة إلى قصر تشانقاي الرئاسي مهما كان القرار، فهو الحلم الذي ناضل من أجله طويلا طويلا .