مع التطورات التي تشهدها المنطقة على وقع الحدث السوري وتحول تركيا التي لها حساسيات تاريخية مع العراق وسورية إلى لاعب إقليمي يتطلع إلى القيام بدور مؤثر في المشهد السياسي للمنطقة، تبدو العلاقات السورية - العراقية- الإيرانية أمام مرحلة جديدة،مرحلة تحمل معها احتمال تطور هذه العلاقة إلى حالة إقليمية في ظل الفرز الجاري على شكل اصطفاف سياسي إزاء ما يجري. ولعل ما يزيد القناعة بأن هذا المناخ الجديد سيأخذ فرصته في المرحلة المقبلة هو ان مسار العلاقة بين هذه الدول ليس مسارا للعلاقات الثنائية العادية فحسب، بل مسار يؤسس لمحور إقليمي قابل للتطور، وهو أمر يثير المزيد من المخاوف والأهتمام معا في المحافل الغربية والإقليمية في هذا التوقيت ولاسيما مع قرب استحقاق انسحاب القوات الأمريكية من العراق نهاية العام الجاري.

في الواقع، من يدقق في المواقف العراقية والإيرانية تجاه الوضع السوري لابد ان يتوقف عند جملة من المعطيات والمواقف التي هي في علم السياسية تعبير عن مؤشر سياسي مستقبلي، ولعل من أهم هذه المعطيات والمواقف : 1- سلسلة المواقف العراقية الأخيرة في الجامعة العربية والتي تراوحت بين الامتناع والتحفظ على القرارات الأخيرة للجامعة بشأن سورية. 2- التصريحات الأخيرة للرئيس العراقي جلال الطالباني والتي أبدى فيها مخاوفه على مستقبل سورية من التطرف في حال تغيير النظام وتأكيده على الاستقرار والحل السلمي للتغيير. 3- الحديث عن دخول المئات من أنصار رجل الدين العراقي مقتدى الصدر إلى سورية للوقوف إلى جانب النظام السوري في أزمته. 4 ndash; اعلان بغداد عن منع الطائرات التركية من الهبوط في المطارات العراقية في وقت توقع فيه مراقبون تصعيدا من جانب الحكومة العراقية تجاه تركيا عقابا لها على مواقفها من الأزمة السورية. 5- الحديث عن ان الحكومة العراقية ألغت قبل أسبوعين جميع القيود على دخول البضائع السورية إلى العراق بعد أشهر من قرار بغداد تقديم 150 ألف برميل نفط هبة للحكومة السورية في وقت تقول فيه التقارير ان حجم البضائع السورية التي تدخل العراق زاد عن أكثر من ثلاثين بالمئة.

6- إذا كانت المواقف السابقة تعبر عن تطلع العراق إلى القيام بدور لاعب إقليمي فأنه بالنسبة لإيران أمر مختلف، إذ انه يدخل في إطار تقوية العمق الإقليمي لسياساتها إزاء المنطقة،وعليه فأن الخطوات العراقية تحظى بالمزيد من الدعم الإيراني، وفي العمق تنتظر إيران بشوق إلى حلول نهاية موعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، تطلعا إلى فتح ( كريدور ) جوي يربط إيران بسورية عبر الأجواء العراقية بعد أن وضعت تركيا قيودا شديدة على حركة الطائرات الإيرانية فوق الأجواء التركية. 7- ان التهديد الإيراني الأخير بضرب منظومة الدرع الصاروخي الأمريكي في حال نشره على الأراضي التركية لم يكن مجردا تهديدا عابرا من دون معنى بل كان تعبيرا عن موقف سياسي من تطور الموقف التركي إزاء الوضع السوري والحديث عن انخراط تركيا في السيناريوهات العسكرية التي تعد ضد سورية، وعليه فان الموقف الإيراني جاء تعبيرا عن ممارسة إيران لدورها في قيادة تحالف يضم إلى جانبها النظام السوري والحكومة اللبنانية ونظيرتها العراق والعديد من الفصائل الفلسطينية بل ان البعض بات يصنف حركة طالبان الأفغانية في هذا التحالف. بالنسبة لسورية التي تعيش لحظات حرجة بعد العقوبات العربية، فأن العراق أضحت رئة لسورية كما الأخيرة رئة للبنان بحكم الجوار الجغرافي، وعليه فأن الأهتمام السوري بتطوير العلاقة مع العراق يأخذ أولوية في المرحلة المقبلة سواء لتأمين عمق عربي يعوضها قليلا عن الموقف العربي أو للحد من تداعيات العقوبات العربية والدولية المفروضة عليها، حيث الحدود السورية - العراقية الطويلة نسبيا والمتداخلة اجتماعيا وسكانيا تحمل دوافع ومصالح متبادلة حتى في ذروة الأزمات إذ تبرز دور الجغرافية السياسية كإقليم أو ككيان سياسي في مواجهة المخاوف والتداعيات.