لاريب من أن بدأ عملية انسحاب القوات الامريکية من العراق، مع کل الذي تثيره قوى عراقية و أطراف عربية من ضجة و صخب بشأنه، فإنه لا و لن يرقى مطلقا الى مستوى القلق و الحيرة و الريبة و التوجس الذي يحيق بالنظام الديني المتطرف في إيران و يقض من مضجعهم ليل نهار.

النظام الايراني الذي کان طرفا و شريکا مباشرا في الإعداد و تهيأة الارضية المناسبة لقدوم القوات الامريکية الى العراق، و کانت التقارير المتعددة و المتباينة التي تنقل عن طريقه او عن طرقquot;عناصرquot;وquot;أطرافquot;تابعة له بشأن اسلحة الدمار الشامل للنظام السابق و الذي ثبت أن معظمها کان لايساوي حتى ثمن الورقة التي کتبت عليها لما حوته من کذب و زيف و إفتراء، من الاسباب المباشرة التي منحت و وفرت المبرر المناسب لعملية إحتلال العراق و إسقاط النظام السابق، وبديهي ان الامريکان يدرکون اليوم کيف أن معممي طهران قد جعلوا منهم وسيلة للوصول الى غايتهم و اهداف محددة لهم، وان المشاکل و الازمات التي يعانون منها في العراق بوجه خاص، مصدرها الاساسي من عقر دار النظام الديني الاستبدادي المتخلف في طهران، لکن الإندفاع و التهور الامريکيين الذي شکلا معا غبائا سياسيا مفرطا بات يصل الى ذروته بالاستجابة لمطلب سياسي صادر من طهران بصيغة تکاد تشبه الامر العسکري الصارم بالانسحاب من العراق.

سقوط دکتاتور ليبيا و الوضع المزري الذي يمر به دکتاتور سوريا و ما بات يثار و يتردد هنا و هناك بشأن ضرورة التدخل الدولي في سوريا لمنع وقوع المزيد من الضحايا على يد النظام السوري، يبدو انه قد أخاف ملالي قم و طهران أکثر مما قد يتصور البعض، ولاسيما وان الدعوات المتتالية من العديد من الاوساط السياسية و من جانب المراقبين و المحللين السياسيين، بصدد قناعتهم بأن الربيع العربي لن يکتمل إلا بسقوط النظام الدکتاتوري الشمولي في طهران و الذي يعتبر رمزا و قلعة اساسية للدکتاتورية و الاستبداد في المنطة و العالم، هذه الدعوات يبدو أنها قد أثارت رعبا استثنائيا في اوساط الملالي الحاکمين بحيث أنهم طفقوا يطلقون إشارات تکاد تصل الى مستوى الهستيريا، وعندما يطالع المتابع للشأن العراقي التهديد الاخير الذي أطلقه النظام الايراني عبر قيادي عراقي من التحالف الوطني الذي يضم کتلة دولة القانون التي يرأسها رئيس الوزراء نوري المالکي، فضل عدم ذکر اسمه لإيلاف و الذي قال فيه:(إن إيران هددت بحرق العراق إذا لم تنسحب القوات الامريکية حتى نهاية العام 2011)، وبحسب هذا القيادي فإن(الحکومة العراقية أصرت على مطلبها بالانسحاب الاميرکي في الموعد المحدد بسبب هذا التهديد.)، وفي الوقت الذي يثير هذا التهديد المطلق عبرquot;لسان عراقي فصيحquot;، منتهى السخرية لما يتضمنه من معنى بليغ جدا في حجم و مستوى نفوذ النظام الاستبدادي الايراني في العراق، فإنه يطرح في نفسه حقيقة مهمة جدا وهي أن الخيارات و القرارات المتخذة في العراق مشکوکة و مطعونة في شرعيتها و سياديتها الوطنية ذلك لأن الحکومة العراقية الحالية لم تعد سوى مجردquot;جسرquot;اوquot;آلةquot;لإيصال المطالب الايرانية الى من يهمه الامر!

المثير في تصريحات ذلك القيادي الذي إلتقته إيلاف ان النظام الايراني (مشکلته مع في العراق مع الاميرکيين و ليس مع العراقيين)! وکأن الطعن و خرق القرار الوطني العراقي لايشکل من وجهة نظر النظام الايراني مشکلة، وکأن العراق مجرد ولاية فرعية تابعة لدولة ولاية الفقيه و ليس لديه أي خيار سوى تنفيذquot;فتاويquot;وquot;أوامرquot;نظام ولاية الفقه بحذافيرها.

التهديد بحرق العراق، هو في واقع الامر رد فعل واقعي يطلقه الملالي في طهران خوفا من حرق النظام السوري الذي يبدو انه قد إنتهت صلاحيته و بات بضاعة کاسدة نتنة تزکم الانوف و بات من الضروري رميه في مزبلة التأريخ غير مأسوف عليه، وان حرق النظام السوري هو بداية النهاية الحتمية للنظام الايراني حيث سيتم من خلال ذلك و بصورة تلقائية بتر أياديه و أصابعه الممتدة في المنطقة، وأن النظام الايراني يعلم جيدا بأن بقاء القوات الامريکية على مرمى حجر منه و من حليفه الاستراتيجي في دمشق سيشکل تهديدا جديا قائما بمثابة سيف مسلط على رأسيهما و ينتظر لحظة الامر بالتنفيذ.

السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: هل أن الخطر الذي يهدد وجود النظامين السوري و الايراني سينتهي بإنسحاب القوات الامريکية من العراق؟ يقينا ان الاجابة القاطعة هي کلا، ذلك لأن مايجري في سوريا من ثورة بوجه نظام الاسد الصغير، ليس فعلا أمريکيا کما يصوره الاعلام السوري و الايراني المسيرين بسيف الدکتاتورية، وانما هو فعل شعبي و وطني خالص وانه لن ينتهي إلا بنهاية النظام، صحيح أن إنسحاب القوات الامريکية سيمنح شيئا من الامل الکاذب لنظام بشار الاسد، لکن لن يکون إلا بمثابة مهدأ مؤقت و سرعان ما ستعود الامور الى نصابها و عندما سيکون لذلك المقام مقالا!