العمل السياسي الناجح يغني عن استعمال العنف واستخدام الطائرات والمدافع لحل النزاعات.
والعمل السياسي الناجح هو القادر على القضاء على المشكلات العالقة ومحاصرتها وانهائها عمليا على أرض الواقع.
فمدافع وطائرات تركيا قصفت وتقصف في بعض أنحاء العراق وتعجل من حدوث الكارثة وقد تتحول فعلا الى مدخل للكارثة اذا ما وقع خطأ في تحديد العلاج الشافي له على الأرض.

والكارثة كانت ستأتي سريعا لو لم يتدخل الرئيس مسعود البرزاني الذي أتخذ قرارا شجاعا بتوجهه الى أنقره، ولم يسمح للهواء المسموم أن ينتشر في منطقة تعتبر نظافة المناخ السياسي فيها شرطا أوليا للأستقرار.

فالمطلب الأكيد لجميع العراقيين أن تكون هذه العملية التركية الأخيرة التي أبتلعوا حدوثها مرغمين الأولى والأخيرة، وان يتم علاج المشكلة من جذورها لا فقط الظواهر المشكو منها.

وبالرغم من كل غيوم اليأس وهموم الأمن المفتقد وصل في الفترة الأخيرة الرئيس برزاني الى قلب العاصمة التركية أنقره وأدلى بتصريحه التاريخي، أن أي خيار عسكري ضد حزب العمال الكردستاني لن يجدي نفعا وأن الحوار مع المنظمة هو الحل والمنفذ الوحيد للخروج من هذا المأزق،،.

ورغم حدية الرسائل التي وجهها الرئيس برزاني، الا أنه كتب لنفسه تاريخا جديدا عندما أفهم الأتراك بأن لحظة الأعتراف بوجود الاخر هي ذاتها لحظة الأعتراف بأن الحرب هي داخلية ولها أسبابها التركية،أضافة الى أبعادها وتشعباتها الاقليمية وليس العكس.

مقترحات الرئيس برزاني الى الأتراك وزيارته التاريخية الى أنقره تشبه في توقيتها مع فترة ما بعد حربي 1967 و1973 ضد أسرائيل. عندما كان الشعور بانسداد الأفق وغياب الحل النهائي الحاسم هو السائد في المنطقة فقرر الرئيس المصري الراحل انور السادات التوجه الى تل أبيب في سنة 1977 وألقى خطابه التاريخي الشهير في الكنيست وقال: quot;لكنني أصارحكم القول بكل الصدق، أنني اتخذت هذا القرار بعد تفكير طويل، وأنا أعلم أنه مخاطرة كبيرة، لأنه إذا كان الله قد كتب لي قدري أن أتولى المسؤولية عن شعب مصر، وأن أشارك في مسؤولية المصير، بالنسبة إلى الشعب العربي وشعب فلسطين، فإنَّ أول واجبات هذه المسؤولية، أن استنفد كل السبُل، لكي أجنّب شعبي المصري العربي، وكل الشعب العربي، ويلات حروب أخرى، محطمة، مدمرة، لا يعلم مداها إلاَّ اللهquot;.

quot;أيها السيدات والسادة
إنَّ في حياة الأمم والشعوب لحظات، يتعين فيها على هؤلاء الذين يتّصفون بالحكمة والرؤية الثاقبة، أن ينظروا إلى ما وراء الماضي، بتعقيداته ورواسبه، من أجل انطلاقة جسور نحو آفاق جديدةquot;.

وهؤلاء الذين يتحملون، مثلنا، تلك المسؤولية الملقاة على عاتقنا، هم أول من يجب أن تتوافر لديهم الشجاعة لاتخاذ القرارات المصيرية، التي تتناسب مع جلال الموقف. ويجب أن نرتفع جميعًا فوق جميع صور التعصب، وفوق خداع النفس، وفوق نظريات التفوق البالية. ومن المهم ألاّ ننسى أبدًا أن العصمة لله وحده.

الدكتور راوند رسول
[email protected]