لم يكن مفاجئاً التصريحات التي اطلقها المراقب العام للاخوان المسلمين في سوريا محمد رياض الشقفة والذي طالب بالتدخل العسكري التركي لحسم المعركة ضد نظام بشار الأسد.

ولن أعيد تكرار تلك المعلومة العامة التي تقول أن الاخوان وحزب العدالة والتنمية هم حلفاء. بالطبع هم حلفاء، ولن يُعقل غير هذا. لكن هذه مناسبة لنقوم بمراجعة نقدية كردية لما حدث خلال الأشهر الثمانية الماضية، ونحدد كيف تحولت تركيا من داعم رئيسي للنظام إلى داعم رئيسي لأشد تيارات المعارضة راديكالية.

ويمكن تحديد إطارين لهذا التحول التركي، وكلاهما يتقاطع مع الحالة الكردية في الانتفاضة السورية. في بداية اندلاع الانتفاضة، كان الكرد المرشح الأكبر لقطع الصلة نهائيا بالنظام، وبالتالي تقليل فرصه في النجاة بجلده. وعندما بدأ الحراك الكردي الشبابي في بدايات شهر نيسان الماضي، ساد القلق في الاوساط التركية، وتطور هذا القلق في شهر أيار إلى هواجس طرحتها الصحافة التركية حول الدور المقلق للأكراد في الانتفاضة وإمكانية أن يكونوا الطرف الحاسم في صراع القوى بسوريا. حتى ذلك الحين كانت تركيا تتخذ موقفا مؤيدا للنظام، وقد يخالفني البعض بناء على تصور خاطئ بأن ما جرى كان مخططا له منذ سنوات على طريقة بروتوكولات حكماء صهيون، لكن يمكن العودة في تلك الفترة إلى التحليلات التي كانت تتناول الموقف التركي، وكان هناك شبه إجماع على التخبط الذي وجدت أنقرة نفسها فيه، فالصحف التركية نشرت في إحدى المرات صوراً للزعيم الأسير عبد الله اوجلان من زاوية انها قلقة laquo;مما يجريraquo;. ثم بدأت بعد ذلك خلافات كردية كردية على شكل التظاهر والشعارات التي يجب رفعها، فيما بقيت التنسيقيات الكردية غير فاعلة لجهة حسم الصراع بين الأحزاب الكردية، ذلك انها في معظمها تنسيقيات شكلتها الأحزاب، وبالتالي لم تكن- معظمها - حالة ميدانية أفرزها الحراك الشعبي، وإنما الوجه الجديد للأحزاب التي قالت معظمها إنها شاركت وتشارك في المظاهرات.

بقي الموقف التركي مشوشاً إلى ان توضح الخروج الكردي من معادلة إسقاط النظام. وانا هنا لا أدعو إلى أن يقدم الشباب الكرد الشهداء لنبرئ ذمتنا أمام العرب كما قد يعتقد البعض، بل أقول إننا أهدرنا فرصة تاريخية لطرد تركيا من سوريا المستقبل. ألم يشتم المتظاهرون في حماة وحمص رجب طيب أردوغان؟. ألم تختفي الأعلام التركية من ساحات الاحتجاجات بعد المهلة التي أعطاها للنظام ليحتل حماة؟. وحسب معلومات مؤكدة أن حالات عديدة لحرق الأعلام التركية قد حدثت لكن مواقع الثورة السورية على الانترنت استبعدتها من النشر. المؤسف ان هذا التحول حدث بالتزامن مع انسحاب كردي من معادلة المشاركة في إسقاط النظام، وهذا ما جعل أحمد داوود اوغلو يعيد ترتيب أوراق سياسته تجاه سوريا. قد يتهكم البعض على هذه السطور ويقول إن التحول التركي جاء بعد رفض النظام إشراك الاخوان في الحكم، وعلى هؤلاء أرد: ما كان لتركيا ان تطرح هذه الصيغة لو أنها كانت ممسكة بمعادلة المعارضة السورية لصالحها، وما كان ممكنا لها طرح صيغة الحل الاخوانية البعثية لو أنها كانت متيقنة أن الأكراد هم خارج المعادلة.

وفي ظروف الوسطية الكردية، او الضبابية بعبارة أدق، جذبت تركيا المجلس الوطني السوري وأوعزت لقياداتها بإطلاق تصريحات عنصرية هدفها إكمال الخروج الكردي من معادلة التغيير. البعض ممن هم خارج المجلس الوطني يوجه نقده إلى الكتلة الكردية في المجلس، متناسين أنهم لم يوفروا كلمة إلا وقالوها بحق أكراد المجلس، أي انهم أضعفوها شعبياً بينما احرجتهم تركيا عندما أظهرتهم في موقف لا يستطيعون فيه فعل شيء امام أي تصريح ينال من الكرد. هكذا تم تحجيم هذه الكتلة في المجلس مع ان المصلحة الكردية تقتضي ان يكون هناك تواجد كردي قوي في اي جسم سياسي معارض، فكما أن حزب الاتحاد الديمقراطي يمثل الثقل الكردي في هيئة التنسيق الوطني، كذلك الأكراد في المجلس يمثلون الحضور الكردي في سوريا. (لكن ما لا أفهمه حتى الآن هو وظيفة المجلس الوطني الكردي وموقعه مما يجري بعيدا عن البيانات الانشائية).

وبالنتيجة، أصبحت سوريا المقبلة ملعباً لتركيا. المشكلة أننا سنكون على المدرجات من دون أن نكون من مشجعي أي فريق من الفرق التي بدأت باللعب، بل من حقها اللعب.