السؤال قديم ومكرر وسنحاول تقديم إجابة وسط بين الرؤية الدينية التقليدية التي تجيب :بأن السبب يعود الى ضرورات التدرج، وفلسفة الإبتلاء والإمتحان، وبين الفكرة الإلحادية التي تنفي الأديان ووجود الله.


ولابد أولا ان نفرق : مابين الله المتعالي سر الأسرار الذي لاتدركه عقولنا، وبين الله الذي تحدثت عن صفاته الأديان، وصورته على غرار صفات الإنسان لكن بصورة خارقة.


منطقياً حسب صفات إله الأديان، العادل والرحيم والمحب للخير والسلام... يفترض ان يحرص الله على ان يسود حياة البشر الهدوء والإستقرار، ويبعدهم عن الإختلاف في الدين والطوائف وماينتج عنه من مشاعر التعصب والكراهية والأحقاد والحروب وسفك الدماء، وذلك بأن ينزل دينا واحدا لجميع الناس منذ بدء الخليقة ولغاية نهاية الحياة، وكتاب مقدس واحد لجميع اللغات فيه قواعد وأحكام واضحة لاتتبدل ولاتتغير.


بخصوص الإجابة الدينية التقليدية عن ضرورات التدرج في نزول الأديان حسب ظروف الزمان والمكان، ومراحل التطور الحضاري للمجتمعات، فإن هذا التفسير يتعارض مع قدرات الله اللامتناهية، وإستطاعته على الإتيان بالمعجزات الخارقة، فألله بما يملكه من إمكانات غير محدودة يستطيع إنزال دين يصلح لكل زمان ومكان، ولكافة الظروف والبشر.


واما عن فلسفة الإبتلاء وإمتحان الله للإنسان، فهذا الرأي كذلك يتعارض مع عدالة الله ورحمته وحبه للبشر، اذ لايجوز على العادل ان يعذب مخلوقاته بهذا الإمتحان والإبتلاء لمعرفة طاعتهم له، ويعرضهم للحيرة والتيه، ويدخلهم في مشاكل ومأساة التعصب والكراهية والحروب. و فلسفة الإبتلاء تسيء الى صورة وعدالة الله في جميع مجالات تطبيقاتها الدينية.


والفكرة الإلحادية التي تنفي الأديان والله، هي ضد المنطق والعقل، ومجرد حيرة فكرية، اذ كيف يوجد هذا النظام الكوني من دون مبرمج برمجه وأطلقه للحياة، واذا كنا نعجز عن إيجاد الجواب لسؤال : من خلق الله؟ فإن هذا العجز لايبرر نفي وجود خالق للكون ومنظم له.


التفسير والرأي الوسط الذي يجيب عن سؤال : لماذا لم ينزل الله دينا واحد؟ هو ان الأديان جميعها نتاج التاريخ خلقتها حاجة الإنسان لإبتكار وسائل وطرق توصله بالله لتنظيم حياته الروحية، ويستعين بها على إستمداد الشعور بالأمان والطمأنينة من غضب الطبيعة وشتى مخاوف الحياة، وأيضا من مخاوف عقاب مابعد الموت. وعليه فإن سبب إختلاف الأديان وإنشطارها الى طوائف، يرجع الى إنها من صنع البشر وليست منزلة من الله الذي لايمكن مطلقا ان ينزل أديان مرحلية غير مكتملة، وغامضة قابلة للتفسير والتأويل والإجتهاد والإختلاف والإنقسام.

[email protected]