عبر القرار الصادر عن الجامعة العربية بمعاقبة النظام السوري عن تحول كبير ونقلة نوعية في مسار عملها لصالح شعوب العالم العربي، وخاصة منها ثورة الشعب في سوريا ضد نظام بشار الاسد، وقد صادق على القرار جميع أعضاء مجلس الجامعة عدى لبنان واليمن وامتناع العراق.

ومعروف ان موقف لبنان يخضع الى تأثيرات الحكم السوري والنظام الايراني، والموقف اليمني مرتبط بنظام علي عبدالله صالح في صنعاء المتنرح للسقوط، ولكن يبقى موقف العراق هو المثير في الأمر وهو موضع تساؤول كبير لأنه كان الأولى بوزير خارجيته هوشيار زيبارى ان يكون من أول المؤيدين للقرار لان الوضع الذي يعيشه الشعب السوري الثائر شبيه بالوضع الذي عاشه العراقييون الثائرون في الانتفاضة الشعبية عام 1991 حيث بقي المجتمع الدولي متفرجا في حينه مما سمح لنظام صدام حسين بالقضاء على حركة الاحتجاجات الشعبية الثائرة بدون رحمة مرتكبا جرائم ابادة كبيرة بحق العراقيين بجميع قومياته من العرب والكرد والتركمان والطوائف المسيحية.

وبهذا الموقف الجديد تعبر الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي عن موقف متخاذل في الجامعة العربية بحق الثورة السورية التي يجابه بالحديد والنار من قبل نظام بشار المستبد، وذلك من خلال الامتناع عن تأييد القرار الصادر من الجامعة العربية بحق النظام السوري، وهذا الأمر يشكل استمرارا لموقف حكومة بغداد المساند لنظام بشار المائل للسقوط، وهذا الموقف العراقي بدعم النظام السوري دليل قاطع على سقوط قرار المالكي وحكومته في حضن النظام الايراني الحاضن لنظام دمشق وحزب الله، ولاشك ان هذا الدعم الحاصل بضغط من طهران يشكل طعنة كبيرة لاستقلالية وسيادة العراق الذي أشعل أول ثورة شعبية ضد نظام الاستبداد والطغيان لصدام حسين بعد غزو الكويت ولكن بسبب ظروف اقليمية ودولية في حينه لم تحقق اهدافها في اسقاط نظام البعث البائد.

والغريب في شان الحدث السوري، هو تغيير بوصلة اتجاهات الاطراف السياسية العراقية تجاه الثورة الحاصلة في سوريا، فبعد ان كانت هنالك قطيعة بين المالكي وبشار بسبب دعم الاخير للارهاب وفجأة يتحول الموقف الى دعم ومساندة سياسية ومادية من الأول الى الثاني، والسبب واضح في المعادلة وهو النظام الايراني الذي له نفوذ كبير على المكون الشيعي مع السيطرة بصورة مباشرة وغير مباشرة على مراكز وقوى حزبية وسياسية وعسكرية كثيرة داخل البلاد، والتحول الآخر لتغيير اتجاهات البوصلة هو الحاصل لدى بعض الاطراف السنية فبعد كانت على صلة وثيقة بنظام بشار تحول فجأة الى جهة مزودة لبعض اطراف المعارضة السورية بالسلاح كما تشير اليه بعض التقارير الصحفية.

ولكن بالرغم من هذه التحولات، وعلى المستوى العام يلاحظ اجمالا صمتا كاملا لدى كل الاطراف والأحزاب والتيارات السياسية العراقية والكتل البرلمانية ومن ضمنها الأطراف الكردستانية تجاه ثورة السوريين ضد نظام بشار وحتى على مستوى الرأي العام العراقي، والتحليلات تشير الى ان ذلك يعود لسببين الاول انشغال العراقيين بهمومهم الحياتية والخدماتية وازماتهم المعيشية والثاني هو الذكرة العراقية المليئة بالكوارث والمآساة والمعاناة الاليمة التي تعرضوا لها من قبل الطاغية صدام وحزبه البعث البائد بدعم مادي وسياسي وشعبي من لدن الغالبية العظمى من العرب في شتى ارجاء العالم العربي وعلى المستويين الحكومي والشعبي وخلال عقود طوال.

ولكن مع هذا، ولغرض كسر هذا الصمت المخجل ومن أجل مصلحة العراق حاضرا ومستقبلا، لابد من التمسك بنظرة استراتيجية تنظر بجدية الى أهمية العلاقة مع حاضر ومستقبل سوريا مع التفريق الحازم بين نظام مستبد مائل للسقوط وشعب ثائر سيكون هو صاحب القرار السياسي في مستقبل قريب، ولهذا على نوري المالكي وحكومته والاطراف العراقية والكردستانية تغيير الموقف السياسي للوقوف بجدية الى جانب الشعب السوري الثائر في الشام من خلال خطوات عملية تساعد السوريين على ازالة نظام بشار بالوسائل المتاحة لضمان نجاح ثورتهم السلمية.

وكما في مقال سابق بهذا الخصوص، طرحنا مبادرة عراقية لدعم الثورة في سوريا على أساس رعاية المصالح العليا للبلاد ولجعل العراق نموذجا متقدما في تقديم العون المعنوي والمادي للشعوب الثائرة بوجه حكامها المستبدين لتحقيق التحولات الديمقراطية الحقيقية في المنطقة مع تقديم دعم وعون خاص الى الثورة السورية والى كل الثورات المندلعة ضد أنظمة الحكم الطاغية التي غضبت منها السماء والأرض، ولأهمية المبادرة نعيدها بايجاز ونطرحها من جديد على الاطراف السياسية العراقية وهي تتضمن ما يلي:
1.المشاركة بفعالية في محادثات المعارضة السورية مع الجامعة العربية لتوحيدها واختيار قيادة مؤهلة لقيادة المرحلة الانتقالية للثورة السلمية بعد سقوط نظام عائلة الأسد.
2.تشكيل هيئة مساندة من كل الاحزاب والأطراف العراقية والكردستانية لتقديم الدعم والعون المادي والمعنوي والاعلامي للثورة السورية وبدعم من الحكومة والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
3.تقديم الخبرة التشريعية والقانونية الى المعارضة السورية لاعداد مسودة اعلان دستوري تناسب واقع سوريا الجديد استنادا الى مباديء وقيم حقوق الانسان في اللوائح الدولية.
4.تقديم الخبرة السياسية والدستورية والرؤية العراقية والكردستانية للمعارضة والجامعة العربية لحل القضية الكردية في سوريا.
5.تقديم الخبرة الكردستانية والعراقية في ارساء النظام الفيدرالي في حالة اختيار قيادة المرحلة الانتقالية هذا النظام لادارة سوريا بعد نجاح الثورة.
6.توفير ملاذ آمن داخل العراق لايصال الجرحى والمصابين والضحايا المدنيين للهجمات الوحشية للأجهزة الأمنية والعسكرية لبشار ونظامه المخابراتي الى المستشفيات لمعالجتهم ومساعدتهم على العودة او البقاء لحين سقوط النظام.
7.تقديم الدعم المادي والسياسي لكل أطراف المعارضة السورية.
8.التنسيق مع مجلس التعاون الخليجي لدعم الثورة السورية وثورات الربيع العربي في المنطقة ضمن اطار منظومة انسانية وجماعية.

في الختام نأمل ان تجد هذه المبادرة آذانا صاغية من لدن الحكومة والاطراف العراقية والكردستانية للتعبير بالمعاني الانسانية والوطنية للتعامل مع الشعوب الثائرة في المنطقة لنيل حريتها وكرامتها المفقودة، ولابد لكل عراقي في العهد الجديد وبعد انتصاره على طغيان صدام من مساندة ودعم وتأييد كل طالب حرية وكرامة ايا كان ان كان شعبا او قوما او فردا، مع أمانينا بتحقيق نصرا عاجلا للثورتين السورية واليمنية في مستقبل قريب.

كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]