الخواتيم مقدمة السوابق ، فيستحيل علي الفطناء أن يتوقعوا لمن ساء عمله طوال حياته حسن الخاتمة ، ومثل ذلك الموقف ينطبق علي الولايات المتحدة الأمريكية التي ما فتئت تقدم الأسواء في تاريخها المعاصر ، وبدت الصور السوداوية تلاحق بعضها إذا ما خطرت أمركا علي بال إنسان يحيا هذا الزمان . فمنذ دخولها الأراضي العراقية تحت مدعاة الأسلحة الكيماوية ، والفيلم الكارتوني الذي قدمه وزير خارجيتها آنذاك كولن باول أمام مجلس الأمن ، وحتي اليوم لم تقدم الولايات المتحدة غير الأسوأ علي مدي تاريخها .. بدء من انحيازها الكامل للكيان الصهيوني ، ودعمها بناء المستوطنات ، ومشاركتها حصار غزة ورفض قيام الدولة الفلسطينية إلا وفق الرؤية الإسرائيلية العنصرية ، وانتهاء بتطبيق سياسة اغتيال ما تسميهم بالأعداء في أفغانستان دون أية محاكمة ، وانتقائها التدخل لإنقاذ المعارضين في بلد من البلدان وتجاهلها في بلاد أخرى وفق ما تحدده المصالح النفطية العليا..!

وثمة أسئلة تتبادر للأذهان حاليا.. ماذا بعد عشر سنوات من احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان؟! ما الجديد فيها؟ ما هي مظاهر التغيير والتنمية التي تحققت؟ وليس العراق وحاله اليوم بمنأي عن هذه الأسئلة ذاتها، فبعد مضي ثمان سنوات من الإحتلال الأنجلوأمريكي للعراق لا نعرف ما النتائج الجليلة التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفائها للشعب العراقي من ناحية ، ولدول العالم من ناحية أخري؟! فكم سمعنا من عبارات ومصطلحات وقوانين وانتخابات وأحزاب وتكتلات، وجيش وصحوات كلها فشلت في أن تلد لنا الجنين المنتظر وأخواته المسمون بالعدل والحرية والديموقراطية!

وما الذي عاد علي العالم؟! هل تم القضاء علي الشر؟ هل تم القضاء علي البؤر المتوترة والصراعات القائمة والمواجهات الدامية والمجاعات والأمراض المتفشية؟!
وبالعود إلي العراق نجد أن الولايات المتحدة مارست سياسات لا إنسانية مع كثير من الفصائل والطوائف ، فقد والت طائفة علي حساب أخري ، ليس من باب الحب لها ، أو التعاطف معها؛ ولكن من باب تأجيج لهيب الصراع ومضاعفة حدة التوتر ، وبذر بذور الفتنة والشقاق ، وهكذا سنة المحتل في كل أرض حتي يحافظ علي مصالحه.

إذا فالولايات المتحدة ليست ملاك العالم كما يزعم ساستها وقياديوها ، والمهووسون بها ، ووفق الواقع الذي نعيشه والوقائع التي عرّجنا عليها يستحيل اعتقاد هذه الأسطورة ، ومن ثم أري الدولة العظمي في امتحان حقيقي يتجدد كلما مرّ العالم بمحنة أو أزمة ، وكلما وقع الباحثون عن العدل والحرية والديموقراطية في شباك الإستبداد والظلم وبين فكي المستبدين والظالمين. وعلي أرض العراق نموذجا يمكن أن نري من خلاله صورة الدولة الكبيرة. وهي تتخبط بين المصلحة والمبدأ! بين الدعوات السامية التي تتبناها والمصاعب التي ترغب في تجنبها! بين القرار الذي يجب أن يكون حاسما قاطعا ، وتأثيرات هذا القرار علي أعوان وحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية حاضرا ومستقبلا.!

وهذا النموذج هو أشرف أو مخيم العراق الجديد ، والذي ذكرناه ليس تهويلا نسوقه من أجل كسب تعاطفا أو تعظيم خطأ والدليل ما ذكره السفير ميشل ريس مدير صنع السياسة في وزارة الخارجية الأمريكية من 2003 إلى 2005 في مؤتمر عقد في واشنطن في 26 أبريل - نيسان بعنوان laquo;إيران، ومخيم أشرف والولايات المتحدةraquo; شارك فيه مجموعة من أبرز الشخصيات الحكومية الأمريكية في حكومات كلينتون وبوش وأوباما بحث فيه المشاركون موضوع الهجوم الإجرامي لقوات المالكي يوم 8 أبريل - نيسان 2011 على مدينة أشرف.

حيث قال : إننا مجمعون على أن النظام العراقي قد نكث الوعود والعهود التي كان قد أطلقها وعقدها لجيش الولايات المتحدة الأمريكية فلذلك لا يمكن الثقة به. كما وفي الوقت نفسه إننا متفقون على أن إدارة الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى نكثت وعودها وعهودها الرسمية التي كانت قد أطلقتها لسكان مخيم أشرف وكذلك خانت مصالح أمننا القومي تجاه تغيير النظام في إيران وخانت قيمنا من أجل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

إن الولايات المتحدة الأمريكية تمضي بسياستين متناقضتين تماما حيال أشرف ومجاهدي خلق ، فهي من ناحية تضعهم علي قائمة المنظمات الإرهابية ، ومن ناحية أخري تبحث عن حمايتهم أو هكذا تجتهد لتصور للأشرفيين ومن ثم للأحرار في العالم أنها لم تزل أمينة صادقة فيما تطلقه من مصطلحات برّاقة.

إنها من غير شك ترجو تغيير النظام الملالي في إيران ؛ لكنها لم تنس بعد مواقف مجاهدي خلق ضد جنودها وإطلاق سراح أسراها ، ومع أن استهداف الجنود الأمريكان في السبعينات كان سياسة عامة للجهاد ضد الإمبريالية الغربية التي تحرص علي شاة فاسد ، وليس ضد الولايات المتحدة بالذات ، وبرغم أن الدول الأوروبية التي اعتبرت مجاهدي خلق منظمة إرهابية تماما كما الولايات المتحدة وكندا علي سبيل المثال قد ارتضت برفع اسم المنظمة من قائمة الإرهاب وخضعت للحكم العادل الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية في نوفمبر تشرين الثاني 2008 ، ثم جاء القرار الذي اتخذه وزراء خارجية الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إثر صدور حكم من المحكمة الأوروبية في لوكسمبورغ في ديسمبر/ كانون الأول 2007 يقضي بأنه من الخطأ أن تستمر هذه الدول في تجميد أصول منظمة مجاهدي خلق بعد رفعها من القائمة البريطانية للمنظمات الإرهابية.

وهكذا استطاعت أوروبا أن تضع نهاية للظلم الذي لطالما وقع علي أعضاء منظمة مجاهدي خلق ، وتتحدي الصلف الإيراني والعبارات الملتوية التي يطلقونها كلما هزموا في معركة من معاركهم الخارجية .. لكن الولايات المتحدة لم تسلك مسلك حلفائها في أوروبا لأسباب غامضة وغامضة جدا ، حيث تغير كل شئ بما فيها الموقف الشعبي والسياسي حيال خلق ، ففيما بقائها علي قائمة الإرهاب؟! ولصالح من؟! وهل تخشي أمركا عواقب التعاون والدعم لمناضلي إيران ممثلا في مجاهدي خلق؟!

إن صدور حكما من محكمة العدل الأوروبية يقضي برفع اسم المنظمة المجاهدة من قائمة الإرهاب في أوروبا لهو خير دليل علي عدم تورطها في أي من العمليات الإرهابية التي ادعتها الدولة الملالية أو حتي غيرها من الدول الأخري سواء كانت أوروبية أو أمريكية .. اللهم إلا إذا في الفترة ما قبل التخلي عن السلاح منذ العام 2000 ، ولعل فيما قاله الجنرال ويليام والاس القائد السابق للفيلق الخامس للجيش الأمريكي ما يحث الخارجية الأمريكية علي التحرك سريعا نحو احتذاء حذو أوروبا ورفع منظمة مجاهدي خلق من قائمة الإرهاب : بخصوص مخيم أشرف في عام 2003 لابد من القول انني كنت في عام 2003 قائداً للفيلق الخامس في العراق وكنت مسؤولاً عن أمن الجزء الشمالي للبلاد ..

إننا في ذلك الوقت لم نجد أدلة لتسمية مجاهدي خلق كمنظمة إرهابية ، فتسلمنا أسلحتهم ووفرنا حمايتهم ليس بصفة منظمة إرهابية وإنما كمنظمة عسكرية ، وكننا نتوقع آنذاك خروج المنظمة من القائمة وحصول سكان مخيم أشرف موقع اللجوء الذي يستحقونه. وخلال هذه السنوات الثمان لم يتغير أي شيء ، وإني أنتهز الفرصة لأؤكد علي أن الوقت يداهمنا ولا بد من إخراجهم من القائمة سريعا ، وهذا عمل صحيح ولابد من انجازه فوراً ودون ذلك لا يمكن أن يتحقق أي تطور أو منع وقوع كارثة إنسانية قادمة.

إن أمركا والعالم الحر أمام أحد الإمتحانات الهامة لضمائرهم ، وإلي مدي اهتمامهم بمصائر الأنفس البشرية في أي بقعة كانت من هذا العالم ، وإن سكان أشرف لا بد من معاملتهم كلاجئين ، وإخضاع الحكومة العراقية والإيرانية إلي الدساتير والأعراف الدولية في معاملة اللاجئين ، كما يجب علي المؤسسة الدولية العريقة أن تهم بإرسال مراقبين دوليين إن كانت حريصة علي الوقوف علي الحقائق الواقعية علي الأرض وعدم مجاملة النظام العراقي.