بسبب الواقع السياسي المشوه في العراق.. أجد نفسي مضطرا لإستعمال لغة طائفية وقومية بالضد من قناعاتي الشخصية نزولا عند ضرورات توصيف هذا الواقع الذي يخاف الحديث عنه بشكل صريح غالبية الساسة والكتاب خشية الإتهام بالتعصب الطائفي والقومي المعتم عليه بأكاذيب الوحدة الوطنية الزائفة!
لأسباب تاريخية ونفسية.. تبدو مؤشرات حتمية إنفصال سنة العراق وإنشاء دولتهم قريبة جدا، وسيسبقون انفصال الكورد والشيعة في ترجمة هذه الرغبة الى فعل حي على أرض الواقع، السبب التاريخي يعود الى ان السنة تعودوا منذ أكثر من ألف عام إبان قيام الدولة الاموية وماتلاها وهم يحكمون العراق ويتصرفون بثرواته، وفجأة بعد تحريره على يد الجيش الأميركي الباسل وجدوا أنفسهم خسروا السلطة والمال... وهنا يبرز السبب الثاني النفسي : فالسني لايطيق ان يُحكم من قبل الشيعي وتصبح ثروات نفط البصرة والعمارة وكركوك بيد غيره بعد ان كان هو المتصرف بها كيما يشاء، وهو يعتقد ان غالبية الشيعة اما ( عجم - فرس ) واما عرب يتبعون إيران، ولهذا صعب جدا ومؤلم لكبرياء السني العيش ضمن الدولة العراقية كشريك وليس حاكما مطلقا، وهو يفضل الإنفصال والجوع على البقاء يحكمه حاكم شيعي، ومشكلة السني مع الشيعي أكبر من مشكلته القومية مع الكوردي!
المتغيرات السياسية في المنطقة جاءت لصالح السنة، فبعد سقوط نظام الأسد سيتشكل محور عربي موحد طائفيا مكون من : سوريا والأردن والسعودية، إضافة الى تركيا، متاخم للدولة السنية القادمة وعمق إستراتيجي داعم لها، ومع الإنسحاب الأميركي وشعور الكورد بالضعف الذي دفعهم الى المسارعة لزيارة إيران وتركيا وإعطاء التعهدات بمنع نشاطات المسلحين الكورد الأتراك والإيرانيين في اقليم كردستان مما يعد طعنا للمشروع القومي الكوردي.. امام هذا التبدل في موازين القوى الذي أصبح لصالح السنة.. صار بإمكانهم خوض معركة السيطرة على مدينة كركوك ونفطها، وإكتفاء الكورد بحقول النفط المكتشفة في مدنهم، وسيكون من السهولة تأمين موارد الدولة السنية من عائدات تصدير نفط كركوك ريثما يتم إكتشاف حقول أخرى.
أما الشيعة.. فهم ليسوا جادين برفض إنفصال السنة، بل يرحبون بحرارة بفض الشراكة معهم نظرا لغياب الثقة ووجود ثارات دفينة، لكن الشيعة يفتعلون الرفض بحجة الحفاظ على وحدة العراق ويمارسون الكذب اليومي، ويريدون تحميل السنة مسؤولية تقسيم العراق، رغم ان الساسة الشيعة والكورد هم من كتب دستور المحاصصة وزرع بذورها وشرعنها رسميا، وخرقوا حرمة الحديث عن التقسيم الطائفي والقومي.
لقد إرتكب بعض السنة أبشع جرائم الخيانة الوطنية لعرقلة إستقرار الأمن في العراق بسبب وصول الشيعة الى الحكم، لدرجة إستضافوا عناصر القاعدة والمخابرات السورية في مدنهم وبيوتهم، وأصبح كبار ضباط الجيش العراقي من السنة يعملون تحت تصرف عناصر القاعدة المصريين والأردنيين وغيرهم وتخلوا عن شرفهم العسكري والوطني وشاركوا في قتل أبناء شعبهم العراقي!
وفي المقابل فتحت الأحزاب الشيعية الأبواب امام المخابرات الإيرانية ومختلف الأجهزة الأخرى لدخول الى العراق والعبث به والسيطرة المطلقة عليه إقتصاديا وأمنيا وسياسيا.. لدرجة ان الحكومة العراقية لم يعلن عن تشكيلها إلا بعد موافقة إيران عليها!
وبخصوص الأحزاب الكوردية.. فهي سبقت الجميع في الإضرار بمصالح العراق والتآمر عليه وفتح كافة الأبواب لمختلف أجهزة المخابرات الخارجية، وبعد تحريره من نظام صدام عملت بقوة على منع إستقراره وإعادة إعماره من جديد، فقد عارض الكورد تسليح الجيش العراقي، و تشريع قوانين النفط والغاز والكمارك، ووقفوا بشدة ضد معاقبة الإرهابيين والتصديق على أحكام إعدامهم كي لايسبب تنفيذ حكم الإعدام ردع للإرهابيين ويستقر الأمن، ووضعوا الكثير من العراقيل الأخرى، وكان تواجدهم في الحكومة والبرلمان بهدف تحقيق المكاسب القومية الشوفينية، وتخريب الدولة العراقية من الداخل.
جميع الشركاء الأعداء شيعة وسنة وكورد تآمروا على الدولة العراقية بلا إستثناء، وتصرفون بعقلية المستكلب المتحفز لنهش مغانم السلطة والمال... لاأحد من الأطراف السياسية لديه مشروع وطني حقيقي لبناء العراق والعمل على إستقراره، والكارثة الجديدة هي إصابة أكثرية أفراد الشعب بجراثيم الطائفية والقومية، وتحطم قدسية مباديء المواطنة والوحدة الوطنية!
لهذه الأسباب وغيرها.. يبدو إنفصال السنة وإعلان دولتهم وإختيار مدينة الموصل عاصمة لها.. أمرا حتميا، واذا كان يجب الإعتراف بمزايا الساسة الذين قادوا العراق بعد سقوط نظام صدام.. فإنهم أثبتوا ذكاءا خارقا في دفع الناس الى كراهية الوطن والكفر بوحدته والتخلي عنه وخيانته وتدميره!
- آخر تحديث :
التعليقات