quot;متى تطوي السماء سجلها! وتقتص من صفير الرياحquot;

quot; هذا وطني فأين أذهبquot;

quot; لا أملك دموعا كافية, فندوب الحرب تزدحم في فؤادي. وأنا ذرفتها كلها وأبقيت القليل منها لخلوتي بالبحرquot;

quot; البشر الطيبون شدوا حقائبهم على صدورهم. وسرت بأسرها آذنت بالرحيل..quot;

quot; نعم توقفت الحرب. وسكت الرصاص. لكني لا أزال أسمع قرع نعالهاquot;

quot; انتظار الحرية من ثقب صغير في الفضاء, يحول الوقوف إلى هباء, فجميع من كان هنا: مات, ولم ينفع أن يحوله القصف إلى نحاس! كيف ونحن نتلاشى في جسد تعبث فيه الديدانquot;

quot; ليته هاج فابتلعنا. لكنه البحر. حتى هو أخرسوا صوته. ونحن أيضا نسينا أن نلتقط صورنا الأخيرة معهquot;

quot; لم يهتف أحد بدمنا, وكأننا ديناصورات أو أحذية نافقة. ألا يعلمون بأن لنا قلوبا شاسعة. أوسع بكثير من مطامعهمquot;

quot; حين أخذتم أرضنا. ألم يكن بوسعكم ترك أزقتنا لنا, وأحلامنا الصغيرة, وصوت الحاج مختار؟ أيها البرابرة. الدمى الورقية هي من تركع, أما نحن فكالغزلان, نعشق العشب ولا نقطع الطائرات الورقية بقرونناquot;

quot; حين عدت إلى سرت, لطَّخت وجهي بالطين, رميت حذائي ومشيت حافيا أبحث عنِّي, كان أول ما وقعت قدماي عليه هو ناقوس مدرستي. ونهد حبيبتي الذي نام معي قبل القصف بليلة تحت السور. رفعت الجرس ومضيت بين الأزقة أضربه, فلعل حيا ينادي عليَّ. لم يجبني أحد, حتى رميت برأسي على منضدة محشورة بالقرب من قمامة, كانت هناك شياطين بيض تدفن أحلامي وترش الصمغ, حتى أضعت المكان الذي تركت فيه حبيبتيquot;

quot; جميعكم سيدور عليه الدور, كل من ابتاع لوعة أمي بدراهم معدودة, كل من فقأ عيون النخيل المتضرعة, كل من تاجر بفسائل أحلامي, كل من اغتصب تفاصيل البيوت الدافئة. كل أولئك لن يهدأ طاعون البندول حتى يفتك بهم, لن تمهلهم طويلا ذاكرة أيامي ولا أنفاسي التي قطعوها لحظة ما أوشكت أن أقطف وردتي من ثغرهاquot;

quot; دعابات الدبابات كانت خفيفة! لدرجة أن شقيقي تدلَّى من السماء واستطاع أن يحكي لنا اللحظات الأخيرة من أنوائه الخضراء, بينما كنا نفيض ونغادر من عينيه اللتين اتكأت جفن المغيب. آآه كيف نطبق كفينا والحياة أفلتت من بين يديناquot;

quot; في صدري أشياء لا عبأ لكم بها, لذا سأغمض عيني طويلا, لأخفي سرت خلف أضلاعي, ولتلوِّن السماء أحزان بلاديquot;

..........

*إحدى مدن ليبيا المدمرة في الثورة 2011

كتبت هذه السطور بعد مشاهدتي للدمار الذي ألحق بسرت وبالأبرياء الذين كان بإمكان القذافي والنيتو والثوار حقن دمائهم. لكنهم جميعا كانوا جشعين للأسف! فالغاية لا تبرر الوسيلة.

بلقيس الملحم / شاعرة وقاصة من السعودية