الأحداث الدراماتيكية التي تتوالى على مساحة العالم العربي، و التداعيات الناتجة من ربيع ثورات هذا العالم، تتجه كلها لصالح شعوب المنطقة، هذه الشعوب المقهورة والتواقة إلى الحرية، واستعادة الكرامة والعيش في حالة صحيحة من الديمقراطية، حيث القانون والعدالة الاجتماعية، هذه المسلمات التي كانت لعقود من الزمن مغيبة في ظل الدكتاتوريات التي حكمت المنطقة بالحديد والنار، إذ غيبت كل المعالم الإنسانية وجعلت من الشعوب عبيداً لها، عبيداً لعصابة الحكم، تحكمت بمصائر الشعوب ونهبت خيراتها و ودفعتها إلى أسفل قوائم الشعوب المتحضرة، وحرمتها من التنمية والرفاهية الاجتماعية.
1. مبادرة الجامعة العربية المنحازة:
بعد أكثر من سبعة أشهر ونصف من القتل اليومي في سوريا، على أيدي عصابة الأسد ضد الشعب، هذا الشعب الذي يطالب بالحرية والديمقراطية، وإنهاء حكم البعث ورئيسه بشار الأسد، بادرت الجامعة العربية بمبادرة أخيرة وهي بمثابة طوق النجاة لنظام بشار الأسد، هذا النظام الذي حوصر من قبل الدول الغربية سياسياً واقتصادياً. الجامعة العربية بمبادرتها هذه، لم تسمع إلى مطالب الشعب الذي يقتل ويذبح بشكل يومي على أيدي هذا النظام المجرم، بل انحازت للنظام وأعطته فرصة أخرى لكي يفتك بالشعب من جديد خلال فترة الأسبوعين، و طلبت منه الحوار مع المعارضة لتسوية الأزمة في سوريا. والكل يدرك بأن هذا النظام فقد شرعيته منذ الرصاصة الأولى التي وجهها صوب صدور الشباب المتظاهر من أجل الحرية والديمقراطية. وبعد كل هذا الدم المسال في سورية من قبل النظام، تطلب الجامعة العربية من المعارضة أن تضع يدها في يد هؤلاء القتلة لتسوية الأزمة. الشعب السوري، بكل أطيافه، لم يكن يتوقع هذا الموقف الهزيل من الجامعة العربية، فقد خيبت آماله، باعتبار المبادرة جاءت لصالح النظام. مع هذا فقد رفض النظام السوري من جانبه هذه المبادرة، ووصفها بأنهاquot;وصايةquot; على سورية.
2. جمعة شهداء المهلة العربية:
خرجت الجماهير السورية، كعادتها في كل يوم جمعة، بالمظاهرات الشعبية والتي تطالب فيها بإسقاط نظام بشار الأسد، وأطلقوا على جمعتهم اسمquot;جمعة شهداء المهلة العربيةquot; كونهم يدركون سلفاً، إن هذا النظام المجرم لن يفوت أي فرصة لقمع وقتل المتظاهرين لكي ينهي المظاهرات التي تطالبه بالرحيل، وبالفعل منذ انطلاق مبادرة الجامعة العربية والتي طالبت بوقف كافة أنواع العنف والمظاهر المسلحة في سوريا، كانت شراسة وهمجية النظام السوري ضد المتظاهرين أقوى وأعنف، حيث قتل في الجمعة ذاتها ثلاثون متظاهراً، وقد وصل العدد حتى لحظة كتابة هذا المقال إلى أكثر من مئة شهيد في الأيام الأخيرة. هذه هي ضريبة المهلة التي أعطتها الجامعة العربية لنظام بشار، والحبل على الجرار، إلى أن يلتقي وفد الجامعة بالنظام السوري يوم 26.10.2011. الشعب السوري كان يأمل من الجامعة أن تجمد عضوية سورية (النظام السوري) من الجامعة العربية وأن تطرد مندوبها، ومن ثم تتوجه إلى مجلس الأمن لوضع حد لممارسات هذا النظام الطاغي، والتخلص منه، والانتقال بالبلد إلى حالة الديمقراطية و حكم الشعب. لكن يبدو أن القدر مكتوب على جبين السوريين ان يكون ثمن الحرية والتخلص من دكتاتورها باهظا جداً.
3. نهاية القذافي وإنعكاسات قتله على النظام السوري:
بعد انتصار ثوار ليبيا والسيطرة على الأراضي الليبيية كاملة، والقضاء على دكتاتورها القذافي وحاشيته، ومن ثم إعدامه بطريقتهم، وظهور الصور والفيديوهات على الملء، تركت هذه المشاهد تأثيرات جمة على الشارع العربي المنتفض، حيث أعطاها دفعاً أكبر للقضاء على الدكتاتوريات التي تحكمها، كما هو الحال في سوريا واليمن. و أثرت في الوقت ذاته على الأنظمة المستبدة على أن تعيد حساباتها من جديد، باعتبار القذافي قبض عليه وقتل، وهذا القتل لاقى استحساناً من قبل كل دول العالم، نتذكر هنا تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية هلاري كلينتون عندما صرحت قبل مقتل القذافي بساعات، على أن نهاية القذافي يجب أن تتم إما بالقبض عليه أو قتله. بعد هذا الحدث التاريخي، حاول النظام السوري أن يراجع حساباته بعد أن أدرك أن الدور قادم عليه لامحال، فحاول أن يتمسك بالقشة التي رمتها له الجامعة العربية والتي رفضها بشدة في البداية، بعدها صرح إعلامه بالتالي: quot;سوريا ترحب بوفد الجامعة العربية إلى دمشقquot;، أي ترحب بالمبادرة العربية، والتي يرى فيها الآن نجاته من المصير الأسود كما حصل للقذافي، ويعتقد بأنه سينتهي من الأزمة بأقل الخسائر، لكن ربما تكون هذه الخطوة احد ألاعيب النظام للاستفادة من الزمن وتشتيت الأزمة وتمييعها.
4. موقف المجلس الوطني السوري من المبادرة العربية:
بالرغم من عدم وضوح رؤية المعارضة السورية عموماً، ورؤية المجلس الوطني خصوصاً، من المبادرة العربية، لكن الشارع السوري قال كلمته ورفضها تماماً، وفي السياق نفسه، كان موقف الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني واضحاً عندما رد على سؤال لقناة الجزيرة عن الحوار مع السلطة، قال: quot; إن أي حوار مع النظام فسيكون على ترتيبات رحيله وليس مشاركته في الحكم القادمquot;.
5. الفرصة الأخيرة:
في قناعتي هذه هي الفرصة الأخيرة للنظام السوري، لكي يخرج من الأزمة الحالية وبquot; نهاية مشرفةquot;، أن يقوم بالتالي: إعادة الجيش إلى ثكناته، حل جميع الفروع الأمنية، تحديد فترة زمنية قصيرة لنقل السلطة إلى الإرادة الشعبية، وذلك بتسليم مقاليد الحكم إلى المجلس الوطني السوري للقيام بالترتيبات القادمة من انتخابات مجلس الشعب وكتابة الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية. أما إذا عاند النظام في موقفه واستمر في عنجهيته، وهذا هو المتوقع، فسيكون هناك الكثير من الدم والانتقام، وبالتالي سيكون للناتو الكلمة الأخيرة في وضع حد لهذا النظام، ولا أستبعد ان تكون نهاية بشار الأسد كنهاية القذافي، مقتولاً في أحدى مجاري حي المزة.
أوسلو 25.10.2011
التعليقات