البعض كثير الانتقاد لمسألة تناول الامة في كل كبيرة وصغيرة بل اخرون يصرون ان لاوجود لامة عربية من الاساس. وفي واقع الامر يوجد امة عربية عريقة بتاريخها وبانها مكرمة من السماء بان تكون ارض الانبياء والرسالات بل وارض الخيرات لكن هذه الامة غير موجودة ومغيبة في حاضرنا لعدة اسباب يتحملها الجميع افراد ومجتمعات وحكومات ودول دون استثناء، لذلك عند تناول مفردة quot; امتنا quot; فان الاشارة هنا لاتشمل هذا الشتات الجغرافي والتاريخي والانساني وحتى الديني الذي يسمى البلاد العربية في وقتنا الحاضر بل هي مفردة تعود بجذورها وجوهرها الى اعماق انسانية نفتقدها منذ قرون ولانملك في حاضرنا سوى شعاراتها الفارغة المسخرة باتجاهات مختلفة حسب المصالح الشخصية والفئوية لااكثر ولا أقل.
قبل يومين طويت صفحة عربية صنمية بامتياز من خلال اغتيال القذافي بعد 42 عاما من حكم فردي اقصائي دموي وعبثي، مع مفارقة عربية اخرى ان هذا الحاكم الدموي انتهى من قبل خصومه بطريقة دموية لاتقل وحشية عن وحشية حكمه الطويل والثقيل، وهنا جزء من جوهر المشكلة وذلك لان سمات القتل والبطش وسفك الدماء وانتهاك الحرمات والتفجيرات هي سمات عربية بامتياز يشترك بها الحاكم والمحكوم على حد سواء وهذه ثقافة بحاجة الى مراجعة تاريخية ونفسية واجتماعية شاملة، بل بحاجة ماسة لبناء أسس انسانية صائبة لكل المجتمعات العربية دون استثناء تكون عناوينها الاساسية احترام الذات والاخر والرضوخ للقانون والدستور حاكما ومحكوما دون استثناءات عبثية مازلنا ندفع استحقاقاتها المنطقية.
وفي الجانب الاخر لمقتل القذافي ومقارنة ردود الافعال العربية مع ظروف تنفيذ حكم القضاء باعدام صنم العراق الساقط سيجد المراقب المنصف والمحايد ان هناك تناقضا عربيا يصل الى حد التطرف التام، فالقرضاوي الذي اعطى لنفسه حق لايملكه و اصدر منذ أول يوم فتوى علنية بضرورة قتل القذافي هو نفسه القرضاوي الذي وقف ثاني يوم اعدام صدام خطيبا في الصلاة محرضأ باكيا على اعدام quot; المجاهد الشهيد صدام حسين quot; وداعيا له بجنة الخلد! لكنه نفسه وليس غيره بشر القذافي وقبل موته باشهر بالخلود بالنار! مع العلم ان كل جرائم القذافي لن تاتي قطرة في بحر جرائم صدام. وفي الجانب الاخر من الصورة ان بعض طائرات وجيوش الامة ذهبت لتدك جيش القذافي لكن نفس هذه الجيوش ذهبت هذه المرة وبنفس الوقت لتدك الشعب المسالم في البحرين وهو اصلا لم يرفع السلاح مثل اشقائه ثوار ليبيا.
وفي الجانب الاكثر اثارة ان مذيعات الجزيرة والعربية لبسن السواد حينها على اعدام صدام وغاب المكياج المعتاد عن وجوههن الجميلة واحتشمت السيقان الاجمل وغيبت ابتسامات الشاشة الانثوية كل ذلك حزنا وكمدا على اعدام ديكتاتور من خلال حكم القضاء و65 جلسة علنية وزمرة محامين عرب امام العراقيين ووصلوا بغداد للدفاع عن صنم بائس.
لكن نفس مذيعات الجزيرة والعربية كانت وجوههن تتسم بالفرح والنشوة والزهو والتالق وهن ينقلن صور البطش الدموي بالقذافي وتكاد رائحة عطورهن تخترق الشاشة الى المشاهد العربي المسكين المغلوب على امره في كل شيء والمحتار بين لقطة دماء القذافي النازفة ولقطة السيقان الجميلة البارزة لهذه المذيعة او تلك. فما الفرق بين صدام والقذافي حتى يتم توزيع الحزن والفرح بينهما بهذه الطريقة العربية الاعلامية المريبة!
وكانت غزة وحماس نصبت سراديق العزاء والحزن لموت عدي وقصي صدام حسين ولكنها لم تفعل ذلك للمعتصم وخميس معمر القذافي فما الذي قدمه اولاد صدام للقضية الفلسطينية وغزة وحماس ولم يقدمه اولاد القذافي !! مع العلم اثبتت الصور والوثائق ان اولاد الاصنام حولوا بغداد و طرابلس كمنتجعات للغجر النَور quot; الكاولية quot; بعد ان حاربوا وغيبوا كل الرموز الثقافية والاعلامية والسياسية والاجتماعية في البلدين. وايضا وللتاريخ ان صدام والقذافي اشتركا بالمتجارة بقضية فلسطين فصدام ربط في عقد الثمانينات المحمرة في ايران بالقدس وفي عقد التسعينات ربط غزو الكويت بتحرير فلسطين واراد القذافي من احتلال مقر منظمة اوبك طريقا لتحرير فلسطين على يد كارلوس !! وفي الحالتين الصدامية والقذافية كان العبث والدمار والتخلف سيد الموقف، وايضا اشتركا صدام و القذافي بمنح ثروات العراقيين والليبيين الى ياسر عرفات والمنظمات الفلسطينية الاخرى لتتحول الى بؤر للفساد المالي ورموز للتصفيات الفلسطينية الداخلية وفي الوقت الذي كان يعاني من العوز والحاجة ابناء العمارة والبصرة ابناء مناجم نفط وخير العراق وابناء بنغازي ومصراته في ليبيا كانت ثروات الشعبين تورث لبنت عرفات وزوجته مليارات من الدولارات وبساتين الموز في قارات اخرى!
السؤال الملح والاكبر لماذا تحزن الامة وتلبس السواد على اعدام صدام ويخرج احد وعاظ السلاطين بقصيدة ترثي بطولاته الوهميه، فيما تفرح وتطبل نفس هذه الامة وليس غيرها لموت القذافي، مع العلم ان محاكمة صدام واعدامه تمت بطريقة لاترقى لها بكل الاحوال طريقة البطش بالقذافي !؟ مالذي يميز الشهيد صدام حسب فكر الامة عن المجرم القذافي حسب نفس فكر هذه الامة؟
اعتقد ان الجواب لايحتاج الى عناء طويل ففي الجانب الاول ان الامة تعاني من انفصام فردي و جمعي وانساني، وان مخلفات الجهل التي تستوطنها سمحت لرواسب الطائفية ان تتحكم بعواطفها وضميرها لذلك كان يكفي قناتين فضائيتين وليس اكثر ان تتلاعب بمشاعر واراء الجماهير ذات اليمين او ذات الشمال.
والسبب الاكبر ان البعض من العرب وغيرهم عجز ان يقود العراق لان العراقيين اكبر من ان ينقادوا الى هذه القطرة او تلك النقطة في جغرافية الاقليم وخارطته فالعراقيين ورغم ظروفهم التاريخية الصعبة لكن اعتدادهم بنفسهم اكبر ويعون عمقهم التاريخي الرائد و اذا كان لابد من قيادة فيجب ان تكون للعراق والعراقيين في الاقليم والمنطقة حتى ولو بعد حين سيتحقق حتما.
اما تناقض حالتي الشهادة والزندقة بين صدام و القذافي فهذه مشكلة عربية عميقة لااعتقد ان العراقي معنيا بها لانه قد تجاوز هذا الشوط العربي الطائفي باشواط كبيرة. فليكن من يكن شهيدا او زندقيا في فكرهم الغريب والمتناقض فمن ولى ومن بقي هم اصنام لااكثر في الفكر العراقي المميز وهو يشيد تجربته الديمقراطية الرائدة في الامة والاقليم.
التعليقات