في شباط عام 1955 وقعت كل من تركيا والعراق إتفاقية للدفاع المشترك بعد فشل مشروع امريكي سابق لحلف شامل يجمع كل دول المنطقة مع إسرائيل بسبب رفض اغلبية الدول العربية، وكانت مهمته وقف المد السوفيتي وقمع حركات التحرر الوطني تحت يافطة محاربة الافكار الهدامة، وقد تم فيما بعد توسيع الاتفاقيه التركيه العراقيه لتشمل كل من بريطانيا وايران وباكستان وتتحول الى حلف بغداد، الذي تحول فيما بعد الى الحلف المركزي بعد خروج العراق منه في أعقاب ثورة تموز عام 1958.

من أهم مباديء هذا التحالف ما جاء في سياق الماده الاولى من ميثاق بغداد هو الدفاع المشترك ضد أي هجوم تتعرض له أي من دول الحلف، وايضا في ملحق الوثيقة السرية لاجتماع الحلف في كانون الاول عام 1955 وضمن الفقره الاولى ( ومحاربة جميع الحركات الراميه للنيل منه) إضافة الى التأكيد على ( ضمان الدول الموقعه بعدم قيام حركات عدوانيه ضد اسرائيل)، وكان من ضمن تشكيلاته العسكرية والسياسيه والامنيه المتعدده ايضا مكتبا متخصصا بمكافحة ( المباديء الهدامة ) أي التي نسميها اليوم بالحرية والعدالة وحقوق الانسان، ولم يكن خافيا ان من بين اهم الاسباب التي دعت تركيا والعراق الى توقيع اتفاقية الدفاع المشترك والتي تحولت فيما بعد الى حلف بغداد هو التصدي لعموم الحركه الوطنية الديموقراطية في البلدين وخاصة الحركه الوطنيه الكورديه ووأدها وهي لاتزال في بداية نهوضها الجديد.

اليوم وبعد مرور اكثر من نصف قرن على قيام الشعب العراقي بأسقاط هذا الحلف الاستعماري المعادي لشعوب المنطقه ومصالحها وتطلعاتها المشروعه، يتقدم رئيس البرلمان العراقي السيد النجيفي بمشروع بعث الحياة مجددا فيه من خلال مبادرته مع رئيس مجلس الشورى الاسلامي الايراني لعقد حوار واجتماعات دوريه بين كل من ايران وتركيا والعراق والسعوديه تحت يافطة ( طرح المشاكل التي تشهدها المنطقه ووضع إستراتيجيه لحلها )، وتكون بدايه لتشكيل ( إتحاد يضم القوى المؤثره في المنطقه )، وغني عن القول ان المبررات التي يسوقها السيد النجيفي لهذا الاتحاد هي نفس المبررات التي قام عليها حلف بغداد المقبور والتي في مقدمتها حل المشاكل الامنيه وضمان سلام المنطقه، اكيد من ( المباديء الهدامه ) و( حركات التحرر الوطني ) و ( الربيع العربي ) و ( الربيع الايراني ) و ( الربيع التركي ) فهي لسوء حظ البعض جميعها على الابواب.

السؤال هو: لمصلحة من وبموافقة من يقوم رئيس البرلمان العراقي بهذا الجهد الاستثنائي؟ هل هو جزء من السياسة الخارجيه لدولة العراق الفيدرالي، إعادة الحياة لحلف بغداد المقبور، أم ان العراق المكبل باصفاد الاحتلال المزدوج لا يملك اصلا سياسه خارجيه وان كل من هب ودب يدلوا بدلوه؟ وإلا مالذي يمكن ان يجمع عليه الايرانيون والاتراك والعراقيون والسعوديون الذين سيحلون محل باكستان ايام زمان؟ هل هو جزء من المشروع الامريكي للشرق الاوسط الكبير او الجديد او ماشاء الله؟ أم ان وراء الاكمه ما ورائها وهو احياء لمخطط قديم جديد ضد الشعب الكوردي وكفاحه من اجل الحريه وحقوق الانسان ووأد تجربته الديموقراطيه الفيدراليه العراقيه؟ إذ لا يعقل ان يقوم السيد النجيفي باحياء حلف بغداد من اجل عيون إسرائيل وضمان عدم قيام حركات عدوانيه ضدها كما جاء في ميثاق حلف بغداد، خاصة مع موقف الدول الاربعه المؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني بعيدا عن حجم التبادل التجاري والاتفاقات السريه بين بعضها واسرائيل.

صحيح ان للسيد النجيفي و اسرته علاقات تأريخيه قديمه ومتميزه مع تركيا، وكان من المتوقع والمفروض ان يستغلها لصالح العراق ومكوناته ويتدخل لمنع قصف القرى الكورديه الحدودية الامنه وقتل الابرياء من المواطنين المدنيين، لا أن يبادر لاحياء حلف بغداد المقبور ويورط دولا جارة فيه بحجه حل المشاكل الامنيه للمنطقه، علما بان تلك الدول كانت اول من رفض حلف بغداد ولم تنظم اليه قط.

ان ما يسمى بمبادرة رئيس البرلمان العراقي، بعيدا عن الشعارات الديماغوكيه والمزايدات حول حل المشاكل الامنيه والتي لم تعد تجد اذان صاغيه، تشكل تهديدا خطيرا للمشروع الديموقراطي الوليد في العراق وان أي استهداف للشعب الكوردي وحقوقه القوميه المشروعه في العراق سيجر البلاد الى كارثه حقيقيه فالعالم ليس في عام 1955 والمباديء الهدامه يومذاك، مباديء الحريه والعدالة والمساوات والديموقراطيه وحقوق الانسان اصبحت اليوم الجزء الاكثر إشراقا وحيوية في مسيرة الانسان وتراثه الحضاري، وأغلب الضن ان مصير حلف السيد النجيفي لن يكون بافضل من الذي سبقه، حلف بغداد المقبور.

bull;كاتب عراقي