منذ سنوات وانا بانتظار ان يتقدم مسؤول كردي وان يطرح هذا السؤال الهام quot;من المسؤول عن فقدان الفيدرالية لبريقهاquot;، وquot;من المسؤول عن اضعاف موقف الطرف الكردي في بغدادquot;، واخيرا وبعد سنين طوال، أخذ هذين السؤالين طريقهما الى النطق من قبل مسؤولين في الاتحاد الوطني الكردستاني، ولابد ان نسأل ان كان هذا الطرح على لسان عضوين في المكتب السياسي فكيف الحال برأي المواطن الكردي والرأي العام بهذه المسائل المصيرية؟

والأكثر دهشة، التصريح المثير الذي صرح به المسؤول العامل للمكتب السياسي للاتحاد الوطني في فضائية كردية والقائل quot;لوكنت مكان رئيس الإقليم لعاقبت عددا من المسؤولين الممثلين للكرد في بغدادquot;، نتيجة زيارة واحدة له في الايام الأخيرة ضمن الوفد الكردستاني وبعد سنوات طوال من سقوط صنم الطاغية الى العاصمة الاتحادية، وبعد تعرفه على الواقع الحقيقي ميدانيا وكشف الدور السلبي لبعض الممثلين الكرد في مجلس النواب والحكومة الاتحادية أمامه وأمام الوفد الزائر للتباحث مع الاطراف السياسية العراقية حول المطالب الكردية.

وبالرغم من ورود أسباب مقنعة وغير مقعنة في سؤال quot;من المسؤول عن فقدان الفيدرالية لبريقها؟quot; المطروح من قبل مسؤول الاعلام المركزي للاتحاد، ألا ان الأسباب الحقيقية بقيت بعيدة عن النطق بها، ولا ندري لماذا لم يذكر لانها من غير المعقول ان لا يكون مدركا بها من قبل القيادة السياسية في كردستان.

المهم في الأمر ولكي نكون على دراية بالاسباب الحقيقية للاجابة على السؤالين المطروحين في البداية، نرى من الواجب علينا ان نطرح جوابا شافيا وكافيا على التساؤولين، ومن باب المنطق والعقل والاستناد الى الموضوعية والحيادية، ومن باب حق انتمائنا، ولكشف الحقائق بمصداقية تامة أمام الرأي العام الكردي والعراقي.

ولكي نفهم الأمر من كل جوانبها السياسية والقومية والوطنية، لابد في البداية أن نأتي بقضية قريبة مشابهة لمسألة المطالب الكردية مع الحكومة المركزية في بغداد للاستدلال بها، وهي القضية الفلسطينية واستمرار معاناة شعبها منذ قرن كامل نتيجة أسباب لم يتعامل معها الفلسطينيين بحكمة وتعقل وبعد استراتيجي في ظروفها واوقاتها، والاحداث كشفت لهم في العقود الأخيرة ان النسبة الأعلى للأسباب الحقيقية للتأخير الحاصل في تحقيق مطالبهم القومية والوطنية هي أسباب عربية وداخلية والنسبة الاقل هي أسباب اسرائيلية وأجنبية، وهذه نقطة جوهرية تلزم الانتباه اليها، لأننا في يومنا هذا تمر قضية تحقيق الحقوق والمطالب الكردية مع بغداد بنفس الحالة الفلسطينية من التأخير المتعمد والتجاهل المتقصد ولكنها والحمدلله ليس بنفس الزمن الطويل.

ما نريد قوله في هذا المقال، ان فقدان الفيدرالية لبريقها والتأخير المتقصد والتباطؤ والتجاهل المتعمد في تنفيذ المطالب الكردية من قبل بغداد، أسبابها كردية بدرجة أكبر وعراقية بدرجة أقل، والسؤال المطروح عن الفيدرالية وتصريح المسؤول العامل للاتحاد دليل على صحة على ما ذهبنا اليه، وللتاريخ نقول فقد كشفنا عن هذه الحقيقة المرة والمؤلمة والمؤسفة مرات عديدة في مقالاتنا ومقابلاتنا الفضائية والاعلامية في السنوات الماضية لتعايشنا وتماسنا مع الواقع والاحداث السياسية في العاصمة بغداد، ولكن لم يستمع الينا أحد من الرئيسين لا الطالباني ولا البرزاني بسبب المحاربة المستمرة لوجودنا في الاقليم ولقلمنا المستقل المتواضع الناطق بالحقيقة، وبسبب تجاهل ارائنا وتهميشها ومحاربتها بتقصد من قبل بعض الجهات المرتبطة بالحزبين الحاكمين في الاقليم فقد ضاع صوتنا مع أصوات المعارضة الكردية.

ولكن يبدو ان المسؤولين في الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني ومن خلال الوفد الكردي الزائر الى العاصمة الاتحادية الآن باتوا يدركون هذه الحقائق المؤلمة وهذا الخلل السياسي الاستراتيجي الكبير لدى الطرف الكردي بعد فوات سنوات طوال وبعد أن quot;فاض الكيلquot; وquot;فاض الإناء بما فيهquot; وبعد ان ترك quot;الجمل بما حملquot; وبعد أن quot;خرج الكرد من المولد بلا حمصquot; كما قاله أحد، وبعد ان quot;ترك الحبل على الغاربquot; للأطراف السياسية العراقية بخصوص التعامل مع القضايا الكردستانية.

ولغرض بيان الحقائق بمصداقية وكشف الحقيقة من منبعها، نبين الاسباب المتعلقة بالطرف الكرد ولا نتطرق الى الأسباب العراقية، لبيان فقدان بريق الفيدرالية واضمحلال دور المسؤولين والممثلين عن اقليم كردستان في العاصمة الاتحادية، وعلى كل المستويات النيابية والحكومية والحزبية، والتي أدت الى تجاهل تنفيذ المطالب من قبل الحكومات المركزية المتعاقبة بعد سقوط نظام صدام حسين طوال السنوات الماضية، والأسباب هي:

1.عدم اتصاف أغلب النواب والمسؤولين والممثلين الكرد في بغداد، مدنيا وعسكريا، بكفاءات حقيقية، وفقدانهم للخبرة والتجربة والمصداقية والانتماء الكردستاني الحقيقي، وغياب الشعور بالمسؤولية الوطنية العالية في المرحلة الراهنة وفقدان الاحساس بالأهمية التاريخية للمرحلة التي نمر بها.
2.عدم الالمام باعداد مسودات التشريعات والقوانين والأنظمة والتعليمات والقرارات، وعدم الالمام بتفاصيل ميزانية الدولة السنوية وتقاريرها وفق السياقات المرعية في النظام المالي العام، وعدم امتلاك الامكانية لاعداد التقارير والدراسات، وعدم امتلاك القدرة على اعداد الخطط وبرامج العمل وفق الأطر الزمنية ووفق الاحتياجات المرجعية البرلمانية والحكومية والحزبية.
3.انشغال الأغلبية منهم بالصفقات والعقود التجارية المشبوهة الفاسدة خاصة في فترة مجلس الحكم وحكومة أياد علاوي والكابينة الأولى لحكومة نوري المالكي.
4.عدم امتلاك الامكانيات اللغوية الكافية وعدم اتقان المخاطبات الارتجالية والكتابية باللغات العربية والكردية، وعدم الالمام التطبيقي بالمخاطبات والمسودات التشريعية والتنفيذية والادارية للبرلمان والحكومة، وعدم امتلاك القدرة على اعداد وتحرير مسودات التقارير والمشاريع والارشفة والتنظيم التشريعي والتنفيذي والمالي والاداري، وعدم امتلاك القدرة على اعداد الخطط الدورية والشهرية والفصلية والسنوية وحسب الاحتياجات والسياقات المطلوبة والمرعية.
5.عدم المام الأغلبية منهم بالمهارات الفنية والحاسوبية مثل كتابة المخاطبات والتقارير وبرامج العمل والخطط بالكومبيوتر وعدم اتقان العمل بالحاسبة وملحقاتها من اجهزة الطابعة والسكانر والبرامج التشغيلية للاجهزة الحاسوبية، وعدم الالمام باستخدام الانترنيت والبريد الالكتروني والمواقع الالكترونية والفيس بووك.
6.عدم امتلاك المعرفة بتفاصيل الميزانية وجداولها الاحصائية السكانية وتقسيم التخصيصات السنوية المخصصة للحكومات المحلية في المحافظات واقليم كردستان وفق النسبة السكانية حسب المراكز والاقضية والنواحي والوحدات السكانية الصغيرة، وتغطية احتياجات كل منطقة حسب استحقاقها السكاني والمالي دستوريا.
7.عدم انتهاج مبدأ الشفافية في تسيير أمور الدولة على صعيد جميع المستويات الحكومية والنيابية والعسكرية لتقديم نموذج كردي متميز ومتسم بالنزاهة والاستقامة والشفافية للاقتداء به من قبل الكتل والاطراف السياسية العراقية.
8.عدم قدرة الكتلة البرلمانية الكردية على تقديم برامج وطنية عراقية في مجالات مختلفة معنية بالعراقيين لمعالجة الأزمات الخدماتية والاقتصادية والاجتماعية ولاقامة المشاريع الكبيرة والانتاجية الصغيرة والخدمية واعداد برامج وخطط لتوفير فرص العمل للجميع على اساس تكافؤ الفرص لمعالجة أزمة البطالة وتقديم خطط اقتصادية واجتماعية لضمان توفير تسهيلات ائتمانية وتحفيزية لتنمية الفرد العراقي.

واضافة الى الأسباب المذكورة نورد عوامل أخرى غائبة تماما عن اسلوب عمل الطرف الكردي والتي لها دورا كبيرا في تجاهل المطالب الكردستانية من قبل الاطراف السياسية العراقية في الحكومة والبرلمان وكذلك من قبل الرأي العام العراقي، والعوامل هي:
1.عدم وجود مؤسسة أو مركز دراسات وابحاث عن الفيدرالية في بغداد تشرف عليها كفاءات كردية لبيان تعريفها ومفهومها وماهيتها ودورها وفعاليتها ونجاحها في نظم الادارات الحديثة للدولة والحكومات المحلية، وبيانها وفق برنامج عمل تخصصي واعلامي للكتل والاطراف السياسية والجهات الثقافية والاجتماعية والشبابية وللرأي العام العراقي.
2.عدم وجود معهد أو مركز متخصص في دراسات وأبحاث عن السكان والبيانات الاحصائية في بغداد، تشرف عليها كفاءات وتخصصات كردية لدراسة وتدقيق البيانات الاحصائية للوزارات والجهات الحكومية العراقية، وأهمية وخطورة هذه المسالة تأتي عندما ندرك ان الاحصائيات الرسمية للحكومة الاتحادية والتي استندت اليها الانتخابات البرلمانية، ألحقت خسائر كبيرة واضرارا جسيمة بالطرف الكردي لاعتمادها على بيانات مشكوك فيها بدرجة قطعية سجلت زيادات بالملايين في سكان المحافظات على حساب الكرد.
3.وصول تأثير الاعلام الكردي بكافة وسائلها المرئية وغير المرئية وبدرجة رئيسية اعلام الحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني الموجه الى العراقيين الى درجة تحت الصفر لغياب القدرات والامكانيات على التخاطب العقلاني والتعامل المنطقي مع الشخصية العراقية، ونتيجة خلق هذا الاعلام لمشاعر مضادة للكرد لدى نسبة كبيرة من العراقيين، وبسبب عدم قدرته على بيان الاستحقاق الوطني لعدالة الحقوق الكردية للأطراف السياسية والاجتماعية والثقافية العامة وللرأي العام العراقي.
4.نقل تقاليد الجيش العراقي الى منظومة قوات البيشمركة خلق خللا كبيرا في مفهوم عقيدة البيشمركة الكردستانية بسبب اندماجها بالقوات العسكرية المبنية على عقيدة عراقية مختلفة عن العقيدة الكردية، وبرأيى فان هذا العمل قد الحق ضررا جسيما بالمكون التقليدي للبيشمركة في كردستان، وكان المفروض تنظيم قوات البيشمركة لوحدها وعدم اندماجها بالجيش في العراق، والحفاظ عليها باستقلالية كان ضرورة وطنية لتنظيمها وفق سياقات عسكرية مستقلة خاصة بتقاليد البيشمركة، وهنا لابد من التأكيد على ان المكون العسكري في اي منطقة بالعالم لا يقبل ولا يتحمل انتماءا مزدوجا للعقيدة، ولابد ان نعترف ان عقيدة البيشمركة تختلف تمام الاختلاف عن عقيدة الجيش العراقي.
5.عدم وجود هيئات متخصصة لمتابعة المواقف في مجلس النواب والحكومة الاتحادية وتقييم أداء المسؤولين الكرد في بغداد، وخاصة لدى رئاسة وبرلمان وحكومة الاقليم ولدى المكاتب السياسية للأحزاب الكردية، لاتخاذ الاجراءات اللازمة في اوقاتها وظروفها المناسبة لضمان فعالية دور الطرف الكردي في بغداد.
6.النقص الشديد في التمثيل الكردي في بغداد، وخاصة في الجيش حيث يمثل القوات الكردية نسبة 8% والضباط الكرد يمثلون نسبة 3% من مجموع الضباط، أما في وزارة الداخلية فان النسبة لا تصل 1%، وهناك 25 موقع حكومي شاغر من حق الكرد بدرجة مدير عام، ودرجات المفتش العام والمستشار في مجلس الوزراء والوزارات والهيئات تقريبا خالية من الكرد.

بعد هذا السرد الموجز للأسباب والعوامل المساعدة لها وبيانها لتراجع دور الكرد في بغداد، لا بد من القول ان هذه الحزمة من الحقائق المؤلمة هي التي تقف بدرجة كبيرة وراء تجاهل تنفيذ الحقوق والمطالب الكردية العادلة، ولابد ان نبين ان التبصر بعمق في بعض الأسباب نجد ان عددا ممن يمثلون الكرد في بغداد يلحظ فيهم حالة شبيهة من الخيانة المتعمدة للمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق المسؤول المكلف بموقع نيابي أو بمنصب حكومي لخدمة كردستان والعراق وان كان هذا الفرد مدنيا أو عسكريا، بسبب الحاقهم لأضرارا كبيرة وجسيمة بالقضية الكردية والتسبب في اضعاف شديد للطرف الكردي وتجاهل متقصد للمطالب، وخاصة فيما يتعلق بالمادة الدستورية (140) المتعلقة بكركوك والمناطق المتنازع عليها ومسائل البيشمركة والميزانية والنفط والغاز والاحصاء السكاني.

ولغرض تفعيل دور الكرد في بغداد فان الضرورات الكردستانية والعراقية تلزم اشراف فعال وجاد من رئاسة اقليم كردستان برئيسها مسعود البرزاني ومرشح الاتحاد الوطني كوسرت رسول لنائب رئيس الاقليم على ملف الطرف الكردي في العاصمة الاتحادية مع اجراء تغييرات حاسمة في الاشخاص وفي اسلوب العمل لحل القضايا العالقة بين بغداد وأربيل وتطبيق ونقل الشراكة الدستورية للكرد الى أرض الواقع في ادارة الدولة العراقية.

وفي الختام، لابد ان نستعين بالآية الكريمة quot;فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِquot;، والمثل الكردي القائل quot;الشجرة لو لم تكن دودة النخر منها لكانت عمرها مائة عامquot; خير ما نختم به هذا المقال الذي نأمل ان تستفاد القيادة الكردستانية من الاراء المطروحة في هذا المقام لاتخاذ اجراءات عملية تعمل على تقوية موقف الطرف الكردي وفي الوقت نفسه تساعد على تحقيق حقوق ومطالب الشعب الكردستاني ضمن العراق الاتحادي لضمان حاضر مشرق ومستقبل آمن للأجيال اللاحقة.

ملاحظة:
المقال بالاصل تعقيب على مقال quot;من المسؤول على فقدان الفيدرالية لبريقها؟quot; لمسؤول مكتب الاعلام المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني آزاد جندياني وعضو المكتب السياسي للاتحاد.

كاتب صحفي ndash; بغداد
[email protected]