لطالما سألت نفسي هذا السؤال: ماذا لو أصبح برميل النفط بعشرة دولارات؟ إذ يمكن أن يحدث هذا إذا ما أصاب السوق العالمي كساد من النوع الثقيل، وهذا متوقع خلال سنتين حسب خبراء الإقتصاد العالمي. أو يمكن أن يهبط سعر صرف الدولار واليورو أثر هبوط حاد في الأسهم العالمية، وما دعم المانيا لليونان إلا لإنقاذ قيمة صرف العملة الأوربية اليورو. هل سنموت من الجوع حينها، أم سنهاجر من أجل البحث عن لقمة العيش في مكان آخر، أم سندخل حرب جديدة مع جار آخر؟ كل هذه الإحتملات واردة. هذا السؤال يخص كل الدول التي تعيش على ريع مدخولاتها النفطية. يسميها الدكتور فاضل الجلبي ريع وليس ناتج قومي على إعتبار إنها من الثروات التي تخرج من باطن الأرض ولادخل للإنسان في إنتاجها بل في إستخراجها فقط. بالتأكيد أن كل الدول الخليجية ستتأثر بهذه الأزمة، ولكن يمكن لها أن تنجو على إعتبار أن أغلب تلك الدول لديها إستثمارات في جميع دول العالم، من شركات كبيرة وأسهم في شركات أخرى وأسهم في البورصات العالمية،ولكن ماذا عن العراق، هل أعد عدته؟

من المعروف أن العراق يعيش على ريع عائدات النفط التي تشكل أكثر من تسعين بالمئة من دخله القومي، فماذا لو هبط برميل النفط، ليس لعشرة دولارات بل لعشرين أو ثلاثين أو حتى خمسين؟ كيف سيدير ميزانيته التي تشهد عجزا ً كل عام وسعر برميل النفط يناهز التسعين. لاتوجد أستثمارات خارجية للعراق في الخارج ولا أسهم في بورصات، بل ديون تراكمت منذ عهد النظام السابق. لقد عاش النظام السابق أزمة هبوط أسعار النفط وحاول حلها بغزو الكويت فأتى على الأخضر واليابس في البلدين والمنطقة. ولكن، ربما ستكون أزمات الداخل أشد وطئة على الاقتصاد العراقي من الخارج إذا ما فهمنا بأن الملايين من الجيش والشرطة وباقي المؤسسات العسكرية يشغلون الجزء الأكبر من ميزانية العراق التشغيلية، فكيف سيحافظ العراق على أمنه الداخلي والخارجي وخاصة موضوع الإرهاب، والإرهاب هو السبب الرئيسي في عدم قدوم شركات عالمية في العراق لغرض الإستثمار.

أن مشكلة عدم وجود مصدر آخر عدا عائدات النفط هو في عدم وجود إستراتيجية اقتصادية، أو هي غير واضحة وغير منسجمة مع النظام السياسي والاجتماعي، بالرغم من وجود ثروة بشرية وطبقة عاملة متعلمة وكادر قادر على إدارة مشاريع متوسطة وصغيرة في العراق. يقول المسؤولون الاقتصاديون العراقيون بأن العراق يعتمد على اقتصاد السوق الحر وهو أكثر أنواع الاقتصاد تطرفا ً في الليبرالية. ولكن في الواقع لاتوجد غير الفوضى، ويوجد من السياسيين من هو لايزال يفكر بالإكتفاء الذاتي، فلا آليات الاقتصاد العراقي ولاقوانينه ولابيروقراطيته تسمح بوجود اقتصاد السوق الحر. فكل ماذكرت كان مرتبطا ً بالاقتصاد الاشتراكي المخطط له، حيث تلعب الدولة الدور الكبير في إدارته. فالاقتصاد العراقي عاجز عن النهوض لمستوى طموح التأملات السياسية في ترسيخ الليبرالية والديمقراطية، وأسميها تأملات لأنها فعلا ً مجرد أفكار ولايوجد مشروع ليبرالي حقيقي ورائها. إذن، غياب الإستراتيجية هو السبب الرئيسي بعدم تطور العراق اقتصاديا ً والذي أدى بدوره إلى غياب المشروع التنموي والذي كان سيؤدي إلى خلق فرص عمل كثيرة. ليس الإرهاب من عطل عجلة النمو الإقتصادي، كما يدعي البعض، فجنوب العراق آمن ولم نر فيه مشروع إستراتيجي عدا مايتعلق بإنتاج النفط.

إن غياب الإستراتيجية الاقتصادية ليس السبب الوحيد، بل هناك الفساد أيضا ً، ولكني قدمت الإستراتيجية لأنها غيابها أو عدم وضوحها يفتح باب الفساد على مصرعيه عندما تكون هناك ثغرات في التخطيط. إن غياب الإستراتيجية الاقتصادية سيؤدي حتما لسؤ الإدارة وتضارب اللآليات في التنفيذ. أن الحكومة العراقي بجميع مؤسساتها تغيب فيها الإستراتيجية والتخطيط الافتصاديين، فكل يعمل حسب خبرته السابقة ورؤيته التي تصتدم بالضرورة برؤية لمؤسسة أخرى في الدولة. إن العراق بحاجة لإستراتيجية واضحة تنسجم مع واقعه السياسي وليست طموحاته السياسية. فالواقع يتطلب إقتصاد مختلط بين اقتصاد السوق والاقتصاد المخطط له، وليس اقتصاد ليبرالي يعتمد على السوق فحسب. فوضع العراق لايسمح بإقتصاد ليبرالي حر يسرح ويمرح فيه رأس المال بلا رقيب، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار بأن في العراق طبقات اجتماعية كثيرة مهمشة وغير فاعلة تحتاج لتدخل مباشر من الدولة لحمايتها وتمكينها اقتصاديا، وأن هناك إرهاب يعتمد بشكل كبير على رأس المال في ديمومته. على الدولة أن تسعلى لنقل الاقتصاد العراقي من اقتصاد ريعي إلى إقتصاد إنتاجي ومن ثم إستهلاكي قائم على إنتاج الخدمات.

أن ماذكرته من نقلة إقتصادية يحتاج بالضرورة إلى آليات محددة أولها محاربة الفساد وبناء البنية التحتية، وبالخصوص وسائل النقل، وإصلاح النظام القانوني والإداري بما يتلائم مع الإقتصاد المختلط. على الدولة أن ترفع من قيمة الضريبة على أصحاب الدخل العالي ودعم أصحاب المشاريع الخاصة. لابد من عمل جاد في ربط الجامعات بسوق العمل والذي يتطلب إلى خطة لإصلاح التعليم ورفدها بالكفاءات من خلال البعثات والزمالات والدورات في الخارج ومن خلال جلب أساتذة أكفاء لتطوير مستوى التعليم في البلد. على العراق أن يستفيد من دول بدأت في الدخول إلى العالم الأول من خلال تحسين إقتصادها كالهند والبرازيل وتركيا. بالتأكيد هناك طرق كثيرة لست بصدد ذكرها كلها، لكن الذي أقوله مرة أخرى، متى يدرك السياسي والاقتصادي العراقي بأن العالم مقبل على أزمة اقتصادية كبيرة جدا ً ربما ستؤدي لتحولات بموازين القوى العالمية مما يغير بوصلة قيم صرف العملات ويجعل من أكثرها في خبر كان. فماذا نحن فاعلون حينها؟ هل سنعيش على أموال زيارة العتبات المقدسة، وهل سينقذ هذا إقتصادنا من الإتهيار؟ سؤال ينتظر إجابة.

[email protected]