كتب (ساطع نور الدين) مقال بعنوانquot;خرافة الخوف المسيحيquot; نشرته صحيفة السفير: ndash; 2011/09/13 جاء فيه:quot;من ثوابت التاريخ العربي الحديث، المشرقي خصوصا، ان الثورات المتعاقبة التي شهدتها الدول العربية منذ خروج الاستعمار الأوروبي اسفرت عن موجات متتالية من التصفية والهجرة المسيحية، حتى بات تضاؤل الوجود المسيحي في الشرق مثل القدر، وأشبه بعنوان رئيسي لأي تحول جذري يطرأ على احوال المسلمين وأوضاع بلدانهمquot;. يبدو أن هذا quot;الثابت التاريخيquot; سيبقى ملازماً لجميع التحولات والثورات والانقلابات العربية والإسلامية.فبينما تتفاءل شعوب المنطقة خيراً من ما يسمى بـquot;ثورات الربيع العربيquot;، يخشى المسيحيون من أن تجلب لهم هذه الثورات مزيد من المظالم والتهميش والتهجير. مخاوف مسيحيي المشرق عبرت عنها أعلى مرجعياتهم الدينية.فرغم مضي أكثر من ستة أشهر على إسقاط الرئيس (حسني مبارك) في مصر لم يطرأ أي تحول ايجابي على الأوضاع القانونية والحقوقية وعلى الحريات الدينية للأقباط.لا بل ثمة تقارير من داخل مصر تؤكد استمرار الاعتداءات المنظمة عليهم،تنفذها مجموعات اسلامية متشددة،بتواطؤ من أجهزة الشرطة ودوائر الأمن.في العراق مازال مسيحيو هذا البلد يدفعون ضريبة التغيير،هم ضحية أجندات سياسية وطائفية للقوى العربية والكردية والإسلامية المتنفذة في المشهد العراقي.

في سوريا،التي شكلت عبر التاريخ ملاذاً آمناً لمسيحيها ونموذجاً للتسامح الديني في المشرق يفاخر به أهلها،اليوم ثمة قلق لدى هؤلاء،ليس على هامش الحقوق والحريات الاجتماعية والدينية المتاح لهم فحسب، وانما على المصير والوجود. أنهم يخشون من مصير مماثل لمصير مسيحيي العراق( قتل ونزوح وتهجير وإحراق كنائس).القلق المسيحي ليس من سقوط النظام القائم أو من quot;وصول اسلاميين الى السلطةquot;،كما يذهب ويروج البعض، وانما هم يخشون خطر انزلاق البلاد الى نزاع طائفي مسلح على السلطة ودخولها في فراغ أمني وسياسي. زادت احتمالات انزلاق سوريا الى الفتنة والفوضى مع دعوة بعض قوى المعارضة الى حمل السلاح وعسكرة الانتفاضة للرد على بطش السلطة ويأس المعارضة من إسقاط النظام عبر الاحتجاجات السلمية.فمن شأن الفراغ الأمني أن ينشطquot;الأصولية الاسلاميةquot; المتشددة والمتعشعشة في قاع المجتمع السوري وتحريك خلاياها الارهابية النائمة.والمخيف أكثر أن الفراغ الأمني سيفتح حدود البلاد أمام كل المجموعات والحركات الإرهابية (القاعدة،جند الشام، جند الاسلام،جند الله،فتح الاسلام،..وغيرها) المزروعة بها دول الجوار. صحيح أن الحكم السوري سعى منذ انطلاق حركة الاحتجاجات المناهضة له في آذار الماضي لإخافة الأقليات، من خلال تضليل الرأي العام و تصويره للأزمة على أنها بين الدولة وعصابات إسلامية متشددة وسلفيين.بيد أن ثمة أسباب موضوعية لهواجس المسيحيين والأقليات الأخرى، على الآخرين عدم الاستخفاف بها. فالشعارات الوطنية الفضفاضة غير كافية لتحصين السلم الأهلي ولتطمين الأقليات على وجودها ومستقبلها.

أعتقد بأن اغتيال وتصفية شخصيات سورية بعينها، على خلفيات طائفية ومذهبية وسياسية - بينها أبن مفتي الجمهورية الشيخ (بدر الدين حسون) المعروف بمواقفه الداعمة للنظام- من قبل مجموعات مسلحة مجهولة، تشكل منعطفاً خطيراً في مسار الأزمة السورية ومؤشر على المنحى الخطير الذي بدأت تنحوه وتنحرف اليه.

أخيراً: يخطئ من يظن أو يعتقد بأن الحديث عن مخاوف المسيحيين السوريين من المجهول الذي قد يخلفه سقوط حكم الرئيس بشار يعني التمسك بحكمه الاستبدادي، الذي يجب أن يرحل نزولاً عند رغبة غالبية الشعب السوري.فالمسيحيون مثلما كانوا في الماضي السباقون في نشر الأفكار الديمقراطية في سوريا و المنطقة،كذلك هم اليوم أكثر المتحمسين لرياح التغير الديمقراطي التي تهب على المنطقة،ولا يمكن لهم إلا أن يكونوا مع الحراك الشعبي الساعي لإنهاء الاستبداد و لانتقال بسوريا الى دولة مدنية ديمقراطية تعددية يحتمون بها ويتحصنون بنظامها الوطني وبقوانينها العادلة.

سليمان يوسف يوسف... سوريا
باحث مهتم بقضايا الأقليات
[email protected]